12 سبتمبر 2025
تسجيلمشهد أول: لا أدري كيف جاء إلى شاشة ذاكرتي، مشهدٌ قديم لجروٍ عرضته إحدى الفضائيات، وهو محبوسٌ في عتبة شباك شاهق لأحد الأبنية الطابقية المرتفعة، التي ما زالت قيد الإنشاء، ويعوي كمن يستنجد، ولا يدري كيف أتى به قدره إلى هذا المكان، لا سور يحميه، ولا مسافة قريبة يقفز إليها، فما كان من السلطات إلاّ أن أقامت الدنيا ولم تقعدها، فأحضرت سيارات الإسعاف وسيارات النجدة والإطفاء، ونصبوا الشِباك تحت المكان المتوقع أن يهبط إليه. صعد الرجال مدججين بكل تقنيات العصر، واستطاعوا أن ينزلوا الجرو سالماً مُعافى، وتصاعد هتاف الناس المتفرجين فرحةً وبهجة، ثم أخذوه إلى الأمكنة المخصصة للكلاب المرفهة، وأغدقوا عليه الهدايا من كل حدب وصوب، فكم هو حالم ولطيف وإنساني عالمنا هذا! مشهد ثان: أطفالٌ في عمر الجراء، لكنهم لا يشبهون أحداً سوى ذواتهم الموزّعة في المنافي والمهاجر فوق الثلوج وتحت الخيام، لا يشبهون سوى صور الجرائد وساحة الشاشات، لا يشبهون سوى ضمير الغائب والمستتر في اللغات، ينتشلونهم من تحت الركام؛ صبايا تركن مراياهن و(سشوارات) شعورهن لسيدات القصور،تركن أحمر شفاههن لحريم المسؤولين، تركن قلق النوم للقتلة، وطلاء الأظافر للمجرمين، لعلّهم من الأحمر يرتوون. تحاورن مع أنفسهن طويلاً وهنّ يُشاركن في إنقاذ الجرحى، حِواراً لا يشبه ما نراه ونسمعه على الشاشات، إنه حوار النوم للأطفال الخُدّج، حوار الأم مع نفسها في المطبخ وهي تُناجي وحيدها المفقود، وقد تركتْ أُذنيها عند جوالها الصامت، وحوار العاشقة مع وردتها وهي تقطف وريقاتها أمنية أمنية، في عُرسٍ يزغردن فيه لوطنٍ شاسع كآلامنا وآمالنا. بنات ترعبهن قطة، لكن تصلبن كشرايين الأرض، وأردن أن يكن مترفعات ومسؤولات فعلقوهن بكلّابات الفضائح والمجاعة. كم هو لئيم ومجرم ومتواطئ عالمنا هذا!