19 سبتمبر 2025
تسجيللقد خلقَنَا الله تعالى في هذه الحياة وأسبغ علينا نعِمَه ظاهرة وباطنة، فكل ما ينفع الإنسان في هذه الحياة الدنيا رزقه الله إياه حتى يتقوَّى به على حياته ويتزوَّد به لآخرته. ونِعَم الله علينا لا حصرَ لها كما قال سبحانه وتعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 18]. ومن أعظم نِعَم الله على عبده نعمتا الصحة والفراغ لأنهما -وبلا مبالغةٍ- رأس مال المسلم في حياته ولا بد أن يستثمرهما الاستثمارَ الناجح له في دنياه وآخرته. فالصحة نعمة لا تُقدَّر بثمن، ولا يَعرف قيمتَها إلا مَن حُرم منها أو فقدها. وإحساس الإنسان بالتمتع بكل ملذات الحياة بلا ألم ولا تعب ولا مشقة في بدنه إحساس لا يوصف ولا يعادله كنوز الأرض. وكذلك نعمة الفراغ أهميتها عظيمة، فيها يؤدي المسلم الفروض والعبادات التي أمره الله بها، ويتزود بالخيرات والطاعات، وينجز عمله ويؤدي واجباته، فكل ساعة، بل وكل دقيقة، بل وكل ثانية في عمر الإنسان يمكنه استغلالها بعمل صالح ينفعه أو ذِكرٍ لله يرفعه، فلا ينبغي تضييع الأوقات بلا انتفاع أو فائدة منه، وقد جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ»؛ رواه البخاري. والغَبْن هو النقص والخسارة. فهناك بعض الناس يخسر صحته دون أن يستثمرها في طاعة ربه والنفع له في الحياة الدنيا، وكذلك يضيع وقته دون نفع أو فائدة تُرجَى، وكل هؤلاء خاسرون بلا ريب، لم يحافظوا على هذه النِّعَم بل أتلفوها بسوء تصرفهم وغفلتهم عن أهمية الصحة والفراغ في مشوار العمر. والاهتمام بالصحة والفراغ من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». صحيح على شرط الشيخَيْن. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يقدرون أهمية الصحة واستثمارها في الطاعات، وكذلك الوقت لا بد من شغله بما يعود على الإنسان بالفائدة. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا؛ ليس في شيء من عمل الدنيا، ولا عمل الآخرة». فيجب على المسلم اغتنام نِعَم الله عليه، فيغتنم صحته بما فيها من قوة وتحمُّل وجَلَد، ويغتنم غناه وقدرته على البذل والعطاء مما آتاه الله من خيرات، ويغتنم فراغه وهو الوقت الذي لن يرجع مرة أخرى، ويغتنم حياته التي هي أصل الوجود، فتكون جميعها لله. فمفهوم الاغتنام هو أن يغتنم المرء كل حركاته، وسكناته، وعباداته، ومعاملاته اليومية، وعلمه، وعمله، وماله، وولده، وكل ما آتاه الله من قدراتٍ ورزقٍ كي يكون كل هؤلاء سببًا لدخوله الجنة، ونيل رضا الله، وتحقيق مراد الله منه. فيجب على كل مسلم أن يغتنم صحته وفراغه بالعمل النافع لدنياه والعمل الصالح لآخرته، وعلى شبابنا الحذر من إهدار صحتهم بالممارسات الخاطئة وتناول المخدرات وسائر الممنوعات التي تدمر صحتهم وتطفئ شبابهم. أبنائي وبَنَاتي إياكم من العبث بأوقاتكم فهي غالية يجب عليكم شغلها بما ينفعكم في الدنيا ويرفعكم في الآخرة. لا بد أن نحذر جميعًا من تضييع أوقاتنا خاصة في هذا الزمان؛ فقد كثُرت المُلهيات التي تُضيِّع الأوقات ومن أخطرها وسائل التواصل الاجتماعي وسرقتها لأغلى أوقاتنا للأسف، وهي تؤثر على الصحة أيضا بما تسببه من ضعف للبصر ووهن بالجسم لكثير من مدمني الإنترنت ووسائل التواصل، فأوصي نفسي وإياكم باستغلال نِعَم الله علينا بطاعته سبحانه ومرضاته والفوز بجناته. اللهم احفظ علينا نِعَمَك، وأَدِم علينا فضلك، وارزقنا التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.