14 سبتمبر 2025

تسجيل

مفاجأة بورغ والأسئلة الدفينة!

09 يناير 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); شكل انضمام ابراهام بورغ للجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة مفاجأة من العيار الثقيل للشارع الإسرائيلي، فالرجل هو أحد أبرز رموز اليسار الصهيوني الإسرائيلي وعضو سابق وبارز في حزب العمل ورئيس سابق للوكالة اليهودية لمدة ثمانية أعوام، كما شغل منصب رئيس الكنيست في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة.والحق أن بورغ لم ينتقل من حزب صهيوني لآخر بل انتقل إلى حزب معاد للصهيونية ما شكل صدمة كبيرة للكثير من الإسرائيليين، ومن دون شك ستدفع هذه الخطوة إلى وصم بورغ بالخيانة "للمثل" الصهيونية التي شكلت مكونا هاما في التنشئة السياسية والاجتماعية والثقافية ليهود إسرائيل بشكل عام. وابراهام بورغ هو ابن الدكتور يوسف بورغ الذي كان زعيما لحزب المفدال (الحزب القومي الديني) وهو الحزب الذي مثل مصالح المستوطنين بعد اختراقه من جماعات غوش ايمونيم الاستيطانية في منتصف السبعينيات. ولهذا يتساءل الكثيرون عن تفسير مقنع لهذا التحول في موقف ابراهام بورغ.المتابع لهذه الشخصية الإسرائيلية لا يمكن له أن يتفاجأ بهذه الخطوة وبخاصة بعد أن مرّ ابراهام بورغ بمحطات فكرية هامة منذ انهيار محادثات كامب ديفيد واندلاع انتفاضة الأقصى في سبتمبر من العام ٢٠٠٠. فالرجل اعتزل السياسة وكرّس وقتا كبيرا لإجراء مراجعات فكرية قادته إلى فهم جديد للصهيونية والتاريخ الصهيوني وأثارت أسئلة دفينة تعبر عن قلق حقيقي على مستقبل اليهود في المنطقة العربية. ففي عام ٢٠٠٣ كتب ابراهام بورغ مقالا هاما في صحيفة الجارديان البريطانية نعي فيه الحلم الصهيوني إذ وجه نقدا شرسا للمجتمع الإسرائيلي وبخاصة ما لاحظه من راحة نفسية تعتري من يسكن المستوطنات وهي تقام على حساب أرض الفلسطينيين.وفي الأثناء استرعى انتباه بورغ أن الطريقة التي يستخدم ويوظف فيها اليهود وبشكل تلقائي المحرقة النازية لا تخدم مستقبل اليهود بشكل عام، وفي عام ٢٠٠٧ ألف كتابا حاز إعجاب الملايين وترجم كتابه إلى لغات متعددة وفيه طرح سؤالا: كيف يمكن الانتصار على هتلر والانبعاث من رماد الهولوكوست. وطالب بورغ الإسرائيليين الخروج من عقلية الهولوكوست والتصرف بشكل طبيعي وليس بناء على ثنائية متخلية على اعتبار أن العالم منقسم إلى يهود واغيار! وبورغ المتدين يستند إلى طروحات أحاد هعام (أحد أهم الفلاسفة اليهود الذي أسس تيار الصهيونية الثقافية) والذي كان يرى بأن اليهودية هي مناخ روحي وليست قيمة سياسية وبالتالي يمكن لليهود ممارسة القيم اليهودية دون الحاجة إلى الهجرة إلى أرض فلسطين. فاليهودية وفقا لبورغ هي مناخ روحي في حين أن العسكرة والاحتلال تقوضان من الروحية اليهودية.وأكثر من أي شيء آخر أثار هذا الكتاب غضب اليمين الإسرائيلي حتى أن أحدهم طالب بأن لا يدفن بورغ في مقبرة عظماء إسرائيل عندما تدنو لحظته. فبالنسبة للكثير من الصهاينة فإن بورغ أسهم من خلال كتاباته وجرأته في التعبير عن نفسه في الإعلام بنزع الشرعية عن إسرائيل وشيطنتها في وقت وصلت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين. فاليمين الإسرائيلي المنتصر داخليا والمنتشي هو منفصل عن الواقع ويعيش في حالة من الوهم المستمر التي ستقوض من دولة إسرائيل. وهنا مكمن النقد الحقيقي الذي يصر عليه بورغ والذي دفعه للعودة عن قرار اعتزال السياسة على أمل التأثير من جديد في دينامية القوة في المجتمع الإسرائيلي.واستنادا لهذا التقديم لا أجد غرابة في أن ينفصل ابراهام بورغ عن الجسم الصهيوني الاحلالي الذي يخوض حربا عدوانية شرسة عنوانها ضمان يهودية الدولة والزحف الاستيطاني على حساب الآخر الفلسطيني. ومع ذلك ربما لم يخطر على بال أحد من قبل بأن بورغ سينتهي به المطاف منتسبا إلى حزب يعادي الصهيونية ويسيطر عليه عرب إسرائيل، فقد اعتقد الكثيرون وكاتب السطور من بينهم بأن بورغ كان سيستمر في رفضه للسياسة الصهيونية وأن مواقفه ما كانت لتتعدى الكتابة وإلقاء المحاضرات لكن ليس العودة للسياسة من بوابة حزب معاد للصهيونية.ربما سيفرح الكثير من العرب بخطوة ابراهام بورغ الأخيرة بوصفها رافدا ودليلا إضافيا على صدقية الرواية العربية حول الصراع، وهي بطبيعة الحال خطوة على أهميتها لا يمكن لها أن تكون بديلا من قريب ولا من بعيد عن ضرورة اجتراح إستراتيجية للتصدي للاحتلال والتوسع الاستيطاني، وعلى الجانب الفلسطيني على وجه التحديد أن يقرأ ما قام به بورغ في سياقه الصحيح، فبورغ وما يمثله من أفكار لا يعكس التيار السائد في إسرائيل بعد الانزياح الهائل في مركز السياسة الإسرائيلية إلى اليمين منذ أن صعد نتنياهو للحكم للمرة الأولى عام ١٩٩٦. بمعنى، ستستمر مواجهة الشعب الفلسطيني مع احتلال بغيض ويمين إسرائيلي أعاد تعريف إسرائيل لنفسها كدولة لليهود وله طروحات لن تقبل بالحد الأدنى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون في سياق اتفاقية سلام. فأهمية خطوة بورغ الأخيرة لا تتعدى إعادة طرح الأسئلة الدفينة التي تعتمل في عقول وصدور ما تبقى من التيار ما بعد الصهيوني، وهو التيار الذي ظهر في نهاية الثمانينيات إلا أنه ما لبث أن اختفى مع صعود اليمين المتطرف واندلاع انتفاضة الأقصى.