11 سبتمبر 2025
تسجيل(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) قالها سيدنا شعيب عليه السلام لقومه ويقولها في الماضي والحاضر أقوام وبشرٌ كثيرون لكنهم يتفاوتون في طرق إصلاحهم وفي نواياهم من وراء ذلك الإصلاح ويتفاوتون كذلك في أساليبهم ووسائلهم للوصول لذلك الإصلاح المنشود، غير أن رسالة الأنبياء والرسل لا يخالطها النقص والعيب والخطأ لأنها مسددّة معصومة من رب العالمين، فمهما بلغت درجة إتقان المصلحين لتلك الرسالة – رسالة الإصلاح – إلا أنها لا تدرك شيئاً من ذلك النهج الربّاني السليم من الخلل والخطأ ولكنها تحوم حوله وتقترب منه وحوله تدندن.(إن أريد إلا الإصلاح) يقولها الكثيرون صادقين في نواياهم - ويقولها البعض نفاقاً ورياءً وسمعة - بينما يغفل الغالبية العظمى منهم عن إتمامها وتكملتها بعبارة (ما استطعت) فتجدهم لا يبذلون الأسباب ولا يجتهدون من أجل تلك الغاية ومن أجل إصلاح مجتمعاتهم من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاعوا لذلك سبيلا أو من خلال محاربة الفساد المالي والإداري في أوطانهم أو محاربة السرقات التي استشرت فيها أو التصدّي لأهل الكفر والضلال ودعاة العلمانية والليبرالية وغيرهم ممن يريدون تغيير ملامح بلاد الإسلام في التعليم والإعلام والتربية وسائر شؤون الحياة.إن المصلحين في أوطانهم يجب أن يتعلّموا النهج الصحيح في الإصلاح من الأنبياء والرسل الذين كانوا أول المصلحين في أقوامهم وأوطانهم فبلّغوا رسالة ربّهم وأدّوا الأمانة على أتمّ وجه، فتلك المهمة العظيمة تحتاج إلى جهد متواصل لا يكلّ ولا يملّ ولا يتوقف في أي مراحله وإلى عمل دؤوب مستمر في عطائه وإنجازاته، فالاستمرارية شرط أساسي لبلوغ تلك المنزلة السامية التي تشّرف بها الأنبياء والمرسلون، ولبلوغ ذلك الهدف كان على المصلح أن يتحلّى بالصبر في مواصلته الجهد وفي تحمّله كافة عقبات ذلك الطريق المحفوف بالأشواك والمنتهي إلى جنة عرضها السماوات والأرض آخذاً بيد إخوانه الذين تعاون معهم وأعانوه على هذه المهمة في الدنيا، قال تعالى (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه).إنك تجد كثيراً من التربويين والدعاة يتخلّون عن كثير من مبادئهم بدعوى أنهم تعبوا من المطالبة بالإصلاح دون أي نتيجة تذكر ودون أن يستجيب لنداءاتهم أو لدعواتهم الإصلاحيّة تلك عدد كثير من الناس! رغم أنهم يعلمون تماماً أن أكثر الأنبياء والرسل لم يستجب لدعواهم إلا العدد القليل من أقوامهم والرهط البسيط من الناس، فلماذا التعب واليأس والقنوط بسبب ذلك الصد والرفض من الناس والمجتمع لدعواهم التي قد لا تكون صحيحة أو مناسبة وقد تكون كذلك ولكنها تحتاج إلى مزيد من الصبر حتى تنضج الثمرة فيسهل قطافها.إن الوالدين في مراحل تربيتهما لأطفالهما قد يتعبان لدرجة أنهما قد يقولان في قرارة أنفسهما (ليتنا لم ننجب أطفالاً ليتعبونا ونشقى معهم كل هذا الشقاء!)، وقد يظهران ضجرهما وكللهما من النصح والإرشاد لسنوات طوال من أجل أن يتغيّر أبناؤهم للأفضل والأحسن وأن يتعلّموا أفضل تعليم وأن يتطبّعوا بأفضل الطباع وأن يتحلّوا بأفضل الأخلاق، وقد يتساقط بعض الآباء والأمهات أو التربويون في الطريق أثناء تلك المهمة الصعبة وقد يتعاونان فيأخذ أحدهما بيد الآخر من أجل أن يكملا الطريق أو قد يتضاعف جهد أحدهما فيكمل الطريق بنفسه نتيجة لانفصال الأب عن الأم أو وفاة أحدهما.. وقد وقد.. ولكن ذلك العناء يتلاشى في لحظة واحدة حينما يرى المربّي أو الأب أو الأم ثمرة تلك المعاناة وذلك الصبر الطويل وذلك الجهد الشاق من خلال رؤيتهم نتيجة ذلك الإصلاح في صلاح أبنائهم وبلوغهم أعلى درجات العلم والفضيلة والأخلاق معاً إذ لا جدوى بعلم وشهادات بلا أخلاق ولا فضيلة.إن الدعوة والدعاة يحتاجان كذلك إلى جهد وصبر طويلين لكي يستطيع الداعية أو المصلح أن ينجو بقومه وإخوانه وعشيرته ومجتمعه من عذاب الله وعقابه وأن يتحوّل المجتمع تدريجياً من حالة انتشار المنكرات والمحرّمات التي تغضب الله تعالى وانتشار الظلم والعدوان وضياع الحقوق إلى حالة انتشار العدل والإحسان وإقامة شرع الله على أرضه. وأي مصلح أو داعية يستعجل قطف الثمرة أو يخطئ في أسلوب دعوته بالعنف والإكراه والتنفير فإنه سيتساقط ويسقط في أول الطريق أو منتصفه ولن يبقى على النهج الصحيح إلا العاملون العالمون المخلصون الصابرون من المؤمنين الذين يدعون إلى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويبذلون كل ما يستطيعون لتحقيق تمام الاستطاعة حتى ينتفي عنهم التكليف والمساءلة وتبقى لهم الحجة والمعذرة أمام الله عز وجل يوم القيامة.