15 سبتمبر 2025
تسجيلإن الأيام بين الناس دول والزمان لهم عبرة فشهر تلو الآخر والعبد بين رحى الزمن، فالعاقل من يتذكر ويعتبر بأيام الله ويعيش الذكريات ويتعلم منها لعله يظفر بنفحة ربانية نورانية تشرح القلب وترتاح لها النفس فمع شهر ربيع الأول الذي يحمل معه ذكرى خير مولود عرفته البشرية، حيث كان مولده نورا وبعثته رحمة ورسالته كانت خلاصا للبشرية من الظلم والاستبداد، فشخصية النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم هي أعظم الشخصيات باعتباره القدوة الحسنة المرتضاة من الله تعالى لكافة البشر، فلقد شكلت شخصية الحبيب صلى الله عليه وسلم الرجل الذي اكتملت فيه كل الأخلاق الحميدة وانتفت عنه كل الأخلاق الذميمة، لذلك خاطبنا الله تعالى بقوله: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب:21، فالمسلم يعتبر بأيام الله ويعيش الذكريات العطرة ينهل منها ويتعلم بها فيفوز بخيري الدنيا والاخرة وهذه الأيام المباركة ينبغي للمسلم أن يعي ما فيها من روحانيات فيعيش معها بقلبه، فأيام شهر ربيع الأول تذكرنا جميعا بمولد خير العباد محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان إشراق شمس الهداية الربانية بمولد مبعوث العناية الإلهية إيذانا ببدء ثورة شاملة حررت الإنسانية قاطبة وشمل التغيير الأزمنة والأمكنة، ورفعت عن البشرية إصر العبوديات الباطلة والأغلال الكثيرة التي كانت تعوق انطلاقها جميعا، فأخذ الإنسان حريته بيده وصاغ هوية زمانه ومكانه صياغة جديدة فنمت عناصر الخير في كل شيء، فعندما كان احتجاجا قبليا على كل عناصر الخير وقف الإنسان على ربوة التاريخ يسدد خطواته نحو الأشرف والأفضل، ووقف المكان يحتضن وينبت الأروع والأنصع ووقف الزمان ليفسح ويتيح للأكمل والأشمل إنه مولد الهدى فتشرق الكائنات ضياء ويفرح الزمان تبسم وثناء.فمن أجل ذلك كانت سيرته من أجمل السير وصفاته من أنبل الصفات، وأخلاقه من أعظم الأخلاق وحياته من أروع الحياة وأوفاها وأشملها لما تحمله من معاني العطاء الدائم الذي لا ينقطع في الدنيا ولا في الأخرة، ففي الدنيا تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها وعلمنا كل شاردة وواردة في الدنيا والدين لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا، وفي الأخرة هو الذي يسقينا من حوضه وينادي ربه أمتي أمتي صلى عليك الله يا علم الهدى، فالمطلع على سيرته صلى الله عليه وسلم يدرك أنها كانت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة تقتدي بها، وهي تتلمس طريقها نحو عالم أكمل وأمثل وحياة فضلى تسودها المحبة والمودة، ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية، وإلا فهي تضل طريقها المستقيم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام، فمن حقنا إذا أن نتخذ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً لسلوكنا في حياتنا، ولا ريب في أن الأمة الإسلامية حينما تقتدى بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما تقتدى بأعظم البشر رجولة وإنسانية، وتقتدي بمن أحب الله سبحانه أن تقتدي به يقول الله تبارك وتعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك) آل عمران:159،فإن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيما من العظماء ولا زعيما من الزعماء ولا مصلحا من المصلحين استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية والتربوية ما استوعبته شخصية الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما اختصه الله به من الكمالات التي تشرق في كل جانب من جوانبها وتضيء في كل لمحة من لمحاتها، حتى استحق أن يصفه الله عز وجل بالنور في قوله تعالى (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين) المائدة 15، فنور الإسلام وهدايته نور للبصر والبصيرة ونور في الدنيا يهتدي به المسلم في شتى جوانب الحياة ونور في الآخرة يكون سببا للنجاة من الشدائد يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ونور محمد صلى الله عليه وسلم مستمد من نور الإسلام فمن سار على نهجه نجح وفلح ومن خالف هديه خسر الدنيا والآخرة ولا يجد له من دون الله وليا ونصيرا، فبهذا النور نتخلص من الأوهام والخرافات ونسلك طريق الحق والصدق، وبه نسير في الطريق المستقيم وهو الطريق الموصل إلى الله تعالى وإلى المقصد والغاية من الدين والحياة في أقرب وقت، فطريق الله تعالى ونوره يجد فيه المرء بغيته من السعادة والرضا الإلهي، وكل هذا الفضل والخير جاء على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكاة السعادة والهدى والذي كان مبعثه نور هداية ونور حق ينير للناس دروبهم ويحقق لهم سعادتهم ويجدون فيه بغيتهم فيتزودون منه خير الزاد، يقول الله تبارك وتعالى: لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.