11 سبتمبر 2025

تسجيل

المجد والياقوت للثورة

09 يناير 2012

(1) شرعت في الكتابة عن فعل الثورة، اجتاحني الحبور، سكنتني البهجة الغائبة، قلت: أستعيد بدايات وقائعها قبل عام قرأت ملفاتها انتابني جوع إلى وهجها، إلى ملامح الغبطة بوجوه الفتيان والصبايا يرفعون لواءها: المجد للثورة، والياقوت لمن آمن بقانونها ودافع عن صيرورتها، واللؤلؤ لمن قدم الخبر وأكواب العصير وقارورات الماء لمن أقام بميادينها ودروبها وحاراتها العلنية والسرية، والمرجان لمن وقف ينفض عنها غبار الوجع والدخان الطالع من زجاجات المولوتوف الملقاة على وجوه الرجال، جاءت إلينا مطرزة بأوجاعنا تصرخ في وجه القهر ممتطية صهوة جواد الحرية، بطعم العشق المفقود أطلت على البلاد التي سكنتها ثعابين السلطة، بثت في شراييننا سموما كادت أن تفضي بنا إلى العتمة فنهرتنا الثورة، صبت فينا زيتها القادم من قناديلها المضيئة، توجتنا بتاج القبول منحتنا ملكوت الحضور بعد الغياب القسري، غزلتنا من جديد بعد أن كنا قوما بورا وحيارى وسكارى من فرط القهر والصمت المفروض والليل الشديد البرودة والقسوة والجوع الرابض فينا، ألهمتنا كتابة الشعر بعد أن نسينا الحروف والأبجديات، قاسمتنا الفجر وإطلالة الفلق بعد مكابدات مع العتمة والضباب، هي تمتلك صيرورتها، سطوة أنوارها. ومضاء قوانينها. مازلت متلفعا بعباءتها، مقيما بحدائقها رغم أشواك طالت زهرها الذي انبثق في الحادي عشر من فبراير منتشيا برحيل الغمة، ثمة من يحاول الآن منع الضوء عن مساحاتها ورسم ظلال من القهر المستعاد، عبث هي النتيجة والوجع لمن يراهنون على خانة الماضي، والسقوط لمن يحولون دون الثورة وعناق المحروسة. (2) انبثقت ثورة الخامس والعشرين من رحيق النور المسطور في وجدان البشر من عذاباتهم المشتدة، من بؤس المقهورين المصلوبين على جدارات النفي في الوطن، طلعت من رحم الأشواق المكبوتة الملهوفة للخروج إلى فضاءات الحرية ومناجم العدالة وحقول الكرامة، لم يكن السيد المستبد الذي يلهو بمدن السواحل يكف عن استباحة كينونتنا وسرقة فرحنا وامتصاص رحيق البهجة فينا، كانت الحدائق ترفض، تعلن العصافير عصيانها، تتمرد عن بناء الأعشاش، تبكي النوارس في البحار يتوقف الموج في النهر المكابر تجبر الشمس أِشعتها عن التوقف. فلا تصل إلى اليابسة مسكونة كانت المحروسة بغياب الأجنة فقدت بكارتها على أيدي الجبارين داستها أقدام نخبة لم يكن لها تاريخ كانت طالعة من نبت شيطاني من عبث المقادير تدافعت لتلتهم الأخضر تهافتت لتبتلع الشواطئ، الصحراوات، البيارات، صهيل الخيول فتفجرت فينا ثورة لتحول دون سقوط المدائن تعيد إلينا غرناطة وعروش المغول لتورق في كل الفصول ليرتوي منها الواقف، النائم، والباحث عن خيمة والمقيم في الطرقات وفي المقابر وفي شوارع المدن الخلفية والسائل والمغرم والمقتول رغم أنه حي والمسافر في جهات الأرض هروبا من قسوة السلطان والعائد عشقا للمكابدة من أجل بناء الأوطان ارتميت بحزبها المتورد في الميدان قلت لها: أنا عاشقك في كل أوان مريدك أيا صوفية الهوى ونوارنية المبتغى وأيقونة المبتدى والمنتهى متيم بمداراتك قوى ببهائك غوايتي الكتابة فيك التمدد بوجدك المتوج بهطول البشارات الواردة من السموات العلى تبث فينا سكنا، عافية فنقدم لك قربان العشق يبقى فينا مشعلا جذوته ديمومته فاتحة كتاب الشعر (3) لك المطر ولك البقاء ولك التوهج لك الطيور ترفل بأثوابها جذلى بشمسك الذهب لك البراءة ولك كل أدعية البقاء والحبور ولي أنا ثورة تهدهدني تبث قمحها وزيتونها ورمانها لمن نهضوا بها وهبوا (4) لن يسكت الميدان لن تكف المحروسة عن الولع بجذوة يناير وانبثاقة فبراير لن يخرج ثوارها عن العروة الوثقى لن يرقص طير ذبيح بعد الآن لن يسكت عزف لموسيقى أو آذان الكل في واحد الصمت يبرحنا والخيلاء وزهر الليل لك يبث أريجه بواحاتنا يفك طلاسم الخوف فالمجد للثورة والياقوت واللؤلؤ والمرجان السطر الأخير: من دفتر السفر الورقة الأولى: مقيما في حضرة المسافة بين العينين راحلا إلى خضرة الحقول فيها كي تعيدني إلى سيرتي الأولى أكتب القصيدة أنشطر نصفين: أرتوي من رحيق الفجر أمضي إلى هناءات العشق يسكنني مغيبا في سكرة الحضور منسابا في السبيل إليك منتظرا عطر المسافة مأخوذا بحدائق البرتقال طالعة من وهج طينها وأقمارها مغزولا بأمواجها تناديني لمقاربة عنفوانها فأنشق لغة البوح تحتويني بأعشاشها تحيطني ببهاء الروح وفضاءات الوجد المرسومة بولعي تأخذني إلى مداراتك فهيئيني تاريخا ينصب المشانق للوجع يضفر الكلمات الحبلى بالحلم كوني امرأة للشعر أميرة للزمرد أهديك همسي أشواقي كل مقاطع قصيدة العمر الورقة الثانية: منقسما فيك خارجا \\ معتزلا متداخلا \\راحلا مسافرا مقيما \\حاضرا مسكونا بك منتبها \\غافلا شاردا مفتتحا بوابتك بالروح الورقة الثالثة: إليك يكون السفر وبعينيك تركض الإقامة فبثي مطرك الأسطوري زمليني برحيقك الوضاء دثريني عشقك الأبدي أيتها الأيقونة المفعمة بالحقول الزاخرة بمجد المواسم وبهجة الفصول