16 سبتمبر 2025
تسجيليفجعك بعض رجال الدين بتصريحاتهم غير المسئولة التي يظهرون بها على الملأ للتعبير عن حالة الاحتقان العدائي الذي يكنونه للمعارضين لطروحاتهم والمختلفين معهم في وجهات النظر حول أمور دنيوية ستظل محل خلاف مهما طال الزمن، وهؤلاء المتشنجون في طروحاتهم لا يجنون سوى الاستخفاف بتلك الآراء البعيدة عن الواقع والتي لا يليق برجل الدين أن يتبناها بأسلوب يخرجه عن وقاره، وينفي عنه صفة التأدب في الحوار مع غيره، ومثل هذا الموقف لو صدر عن إرهابيين أو متطرفين معروفين لما كان مبعث استغراب، ولكنه يحدث من رجال دين يعلنون أنهم ضد الإرهاب والتطرف، ثم يمارسونه بشكل آخر، والأمثلة في هذا المجال كثيرة، ومنها أن أحد رجال الدين وصف الصحفيين في بلاده بأنهم جند الشيطان، هكذا ودون تفكير في عواقب مثل هذا القول غير المسئول، الذي يضم افتراء وقذفا يمكن أن يودي به إلى غياهب السجون لو وجد من ينصف الصحفيين منه ومن أمثاله. وإذا كان العالم كله يعتبر الصحفي في المقام الأول في المجابهة والتصدي لعوامل التخلف والإحباط، وإذا كان العالم كله يعتبر الصحفي فدائيا يواجه أخطار الحروب والكوارث لينقل أخبارها، وإذا كان العالم كله يرى في الصحفي أحد دعاة الإصلاح بأساليب صريحة واضحة مشفوعة بالأدلة والصور والأرقام، وإذا كان العالم كله يعتبر الصحفي أداة بناء في الحراك التنموي عن طريق الإسهام في إصلاح ما أعوج من هذا الحراك عن طريق الرأي السديد والفكرة البناءة والموقف الصريح.. إذا كانت هذه هي نظرة العالم للصحفي، فإن من المعيب أن يوصم الصحفيين بأنهم جند الشيطان، في بلد محكوم بنظام تخضع كل بنوده لما تمليه الشريعة الإسلامية الغراء من ضوابط وقواعد وأحكام، وفق مراقبة صارمة لا تترك عبثا لعابث ولا تجاوزا لمتجاوز من الصحفيين أو غيرهم، وإذا كان هذا الرجل يصف الصحفيين بأنهم جند الشيطان فماذا أبقى للإرهابيين والمتطرفين والغلاة والمتاجرين بقضايا مجتمعاتهم وأوطانهم؟ وإذا كان يرى في نفسه أنه رجل إصلاح.. ألم ير أن الصحفيين معه في نفس الخندق يحاربون الفساد، ويرفضون التخلف، ويقفون بصلابه في وجه مظاهر القصور في الأداء بالنسبة للدوائر الحكومية أو الأهلية، ويدعون إلى إصلاح المجتمع من خلال دعوتهم لإصلاح سلوك أفراده وما قد يرتكبون من مخالفات وسلوكيات غير سوية؟. وإذا كان يصر على وصف الصحفيين بأنهم جند الشيطان فماذا يسمي المجرمين والقتلة ومن يروعون الآمنين ويمارسون الإرهاب استنادا على فهم خاطئ للدين؟ ثم ألا يجد في قوله هذا نوعا من الإرهاب الفكري الذي ينأى عن ارتكابه أي رجل دين يعي مسئوليته تجاه أبناء مجتمعه ووطنه وأمته؟ وإذا وجد صحفي انحرف أو أخطأ في طرحه ونقاشه، فهل يبرر ذلك تبني هذا الموقف المتشنج والبغيض من الصحفيين؟، لقد علمنا ديننا الحنيف الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، وخاطب جل وعلا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، هذه تعاليم ربانية، وقواعد ذهبية للتعامل مع الآخر.. ما أحرى رجال الدين بالاقتداء بها قبل غيرهم! أم أن هذا الرجل وأمثاله الذين ابتليت بهم الأمة.. يصرون على أن يأمروا بالمعروف وينسوا أنفسهم.. ليكونوا هم بالفعل جند الشيطان وليس الصحفيين؟!.