18 سبتمبر 2025
تسجيلاليوم تقف واشنطن والغرب دبلوماسيا وعسكريا وراء إسرائيل في عدوانها المدان دوليا على غزة، وكذلك تفعل الدول الأوروبية المنضوية تحت جناح الحماية الأمريكية، وطبعا يجب التفريق بين مواقف الحكومات ومواقف الشعوب، لأن المظاهرات المليونية الغاضبة خرجت في نيويورك وباريس ولندن وآخرها كوبنهاغن الثلاثاء الماضي، بينما توقع العالم أن أكبر المظاهرات ستخرج في رام الله وفي العواصم العربية الكبرى! وكان رجاء كل مواطن عربي ومسلم أن يحظى موضوع التلاعب بالقانون الدولي باهتمام قادة الخليج في قمتهم بالدوحة حتى جاءهم خطاب حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم حفظه الله فركز على أن جرائم الاحتلال كانت الدليل على المروق عن القانون الدولي والشرعية الدولية. هذه الشرعية التي أوجزها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 10 ديسمبر 1948، والذي ينص على المساواة بين كل الشعوب والأجناس والأديان في التمتع بكامل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية بدون أي تمييز. ففي هذا الصدد تكلم الصحفي والكاتب الأمريكي المختص بقضايا الأمن القومي (سبنسر أكرمان) ليستخلص إحدى العبر الكبرى من حدث السابع من أكتوبر 2023 فقال: "إن ما يجري في غزة اليوم يوضح الفرق بين القانون الدولي الحقيقي والقانون المدلس لأن النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام والذي أسس لما سميناه القانون الدولي وهو الموثق في ميثاق منظمة الأمم المتحدة والمعترف به كمرجع وحيد لتنظيم العلاقات الدولية والتأسيس لنظام سياسي إنساني متفق عليه هو الشرعي الوحيد منذ 1945 لكن ما ترتكبه إسرائيل من جرائم حرب بقتل الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ يؤكد أن هذا القانون الدولي لم يعد هو الأعلى لدى البشرية بل عوضته قوانين أمريكية جرى تسويقها كأنها دولية وهي وحدها التي تفرض الالتزام بالهيمنة القانونية الأمريكية كما أنها هي التي تحدد من بإمكانه أن يفعل أو لا يفعل - ومن يحق له أن ينتهك الحدود التي تقيد عنف الدول. وتزامن نشر المقال مع توقيع 600 إعلامي أمريكي على رسالة وجهوها إلى الرئيس بايدن ينددون فيها بقتل الجيش الإسرائيلي لزملائهم الفلسطينيين عن قصد وقال هؤلاء الإعلاميون: "لا تجعلونا شركاء في جريمة حرب إسرائيلية تمثلت هذه المرة في قتل الصحفيين". ونعود لمقال (سبنسر أكرمان) المنشور على موقع "ذا نيشن" قال (سبنسر): إنه بعد وصول الضحايا المدنيين في غزة إلى مستوى العشرين ألفا، بدأت تتعالى الأصوات التي تدعو واشنطن إلى انتقاد انتهاك إسرائيل للأعراف الدولية وإجبارها على حصر عملياتها العسكرية على الأهداف العسكرية "المشروعة فقط دون استهداف انتقامي لشعب قطاع غزة" وتابع صاحب كتاب "عهد الإرهاب": كيف زعزعت حقبة 11 سبتمبر استقرار أمريكا؟ وهو ما نشأ بعدها هذا الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل مما يبين حقيقة ذلك النظام الأمريكي الذي عوض النظام العالمي. فعلى الرغم من أنه قائم نظريا وشكليا على القواعد والأحكام يبدو كما لو كان "قانوناً دولياً"، إلا أنه في واقع الأمر استبدال للقانون الدولي بامتيازات الهيمنة! كتب (أكرمان) يقول: "مع تجاوز عدد وفيات الفلسطينيين مستوى العشرين ألفا حذر دبلوماسيان أمريكيان من أنه بسبب دعم الرئيس جو بادين لإسرائيل شهدنا انتهاكات إسرائيل للأعراف الدولية، مثل الإخفاق في قصر العمليات الهجومية على الأهداف العسكرية المشروعة". وكتبا في مذكرة سربت إلى مجلة (بوليتكو) يقولان إن حرب إسرائيل على غزة تنثر بذور "الارتياب بالنظام الدولي القائم على القواعد والأحكام، والذي طالما كنا رواده وأبطاله. هذا ويشكل الدبلوماسيان جزءاً من جوقة متنامية تتبنى موقفاً معارضاً للحصانة من المساءلة والمحاسبة التي لم تزل الولايات المتحدة تمنحها منذ وقت طويل لمن ينتهكون القانون الدولي بشكل لا لبس فيه. وهذا ما أشار إليه عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني حين قال إنه "في صراع آخر" - وهو الغزو الروسي لأوكرانيا - نددت الولايات المتحدة "بالهجوم على البنية التحتية المدنية وتعمد تجويع السكان وحرمانهم من الغذاء والماء والكهرباء والضرورات الأساسية" ومضى يقول إن القانون الدولي "يفقد كل قيمته إذا ما كان تطبيقه انتقائيا. أضاف الكاتب: "ما من شك في أن الدبلوماسيين على حق، فالضوء الأخضر الذي منحه بايدن لإسرائيل يشكك في شرعية "النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام" كما يبين حقيقة ذلك النظام الدولي. فعلى الرغم من أن النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام يبدو كما لو كان "قانوناً دولياً"، إلا أنه في واقع الأمر استبدال للقانون الدولي بامتيازات الهيمنة والنفاق، إذ تدين الإدارة الأمريكية روسيا على أعمال قصف المدنيين وتجويعهم وهي نفس الجرائم إذا قامت بها إسرائيل أعلنت الإدارة الأمريكية عن دعمها لها! يقول الكاتب: "لنكن واضحين كثيرون داخل وخارج الحكومة الأمريكية عادة ما يتعاملون مع مصطلح "النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام" كما لو كان مرادفاً لعبارة "القانون الدولي". يُسعد أنصار فكرة النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام أن يستخدموا القانون الدولي أو يشيدوا به إذا كان في ذلك ما يخدم مصالح الغرب الاستعماري، مثلما حينما تسعى المحكمة الجنائية الدولية إلى إلقاء القبض على فلاديمير بوتين على جرائم الحرب التي يرتكبها في أوكرانيا. ومع ذلك لا يمكن أن تقبل الولايات المتحدة بالخضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية. بل قامت الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس جورج دبليو بوش بإلغاء توقيعها على المعاهدة التي بموجبها تأسست المحكمة الجنائية. وفي عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على عائلات قضاة المحكمة الجنائية الدولية ممن فتحوا تحقيقاً في جرائم الحرب المنسوبة إلى الولايات المتحدة في حربها داخل أفغانستان. وتلك هي الطريقة التي يعمل بها النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام. لا تجدها تستبدل آليات القانون الدولي، وإنما تضع علامات نجمية إلى جانبها. قد تلزم هذه القيود خصوم الولايات المتحدة، أما الولايات المتحدة وعملاؤها فبإمكانهم أن يتحللوا منها ومن جهة أخرى قالت السيدة (ماري إلين أوكونيل) خبيرة القانون الدولي والأستاذة في جامعة نوتردام في رسالة نشرتها الصحف الهولندية: "لا يمكن للنظام الدولي القائم على القواعد والأحكام أن يحل محل القانون الدولي - وذلك أن القانون الدولي متضمن في نفس مفهوم الدولة، والحدود الدولية، والمعاهدات وحقوق الإنسان. إلا أن النظام الدولي القائم على القواعد والأحكام يقوض المعرفة بنظام القانون الدولي ويقلل من احترام الآخرين له. كما أن قدرة القانون على دعم الحلول المطروحة للتعامل مع التحديات العالمية من الحرب والسلام إلى التغير المناخي والفقر تتآكل تحت وطأة منافسة هذا المفهوم الذي تعتريه العيوب والآن انظر إلى ذلك الذي تفعله إسرائيل حالياً في غزة. بحلول نوفمبر صارت تقتل ما يقرب من 180 طفلاً في اليوم الواحد. طالب الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين بالتخلي عن منازلهم في شمال غزة. ثم بعد أن انصاع لذلك مئات الآلاف منهم، قامت بمهاجمة الأماكن التي توجهوا إليها في جنوب غزة، والتي ساقتهم بنفسها نحوها بعد تجويع غزة وحرمانها من الأدوية وإغلاق وسائل الاتصال معها وقتل صحفييها وفرض الحصار بل وحتى مداهمة مستشفياتها والادعاء بأن الأماكن التي يلوذ بها اللاجئون بأعداد كبيرة ما هي سوى مواقع لحماس.