18 سبتمبر 2025
تسجيلشاء «الغرب» أم أبى، سينقلب سحره عليه، وسلاح الإعلام الذي احتكره لعقود طويلة سيرتد حده الآخر في نحره. لقد تغير العالم ولم يعد باستطاعة أي قوة مهما بلغت من الجبروت أن تكمم كل الأفواه وأن تخفي كل الحقائق وأن تقنع 8 مليارات إنسان على ظهر هذه الأرض أن ما يفعله الكيان الصهيوني في غزة ليس جريمة إبادة جماعية. وستبقى الحكمة التقليدية «أنت لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت» أبقى وأمضى من كل نظرياتهم في الخداع الإعلامي. يعلم الجميع القوة الجبارة لسلاح الإعلام والتي تجعله من أهم عناصر تحقيق النصر والسيطرة في أوقات السلم والحرب. والكل شاهد كيف كان التمهيد الإعلامي، (مع تجاهل كل الاحتجاجات المعارضة) لغزو أفغانستان ثم العراق، هو العامل الرئيس في تحقيق أهداف الغرب. وهم مازالوا للآن يعتمدون نفس الخطة، فهم يتجاهلون الغضب العالمي غير المسبوق، ويسارعون في قتل أكبر عدد يمكنهم من النساء والأطفال والشيوخ، ويظنون أنهم سيفلتون بفعلتهم هذه المرة أيضا. لكن هيهات، فقد تغير العالم بنفس السلاح الذي استحدثوه. فقبل 20 عاما لم يكن سلاح الإعلام الجديد قد أخذ عنفوانه الحالي. عشرون عاما كانت كفيلة بجعل «الإعلام الجديد» سلاحا ذا حدين بشكل فعلي، برغم محاولات شركاتهم المحتكرة له لحجب المحتوى المعارض. وإذا كانت كل قوى الطغيان عبر التاريخ قد اندحرت فالمؤكد أن قوى الشر الحالية ستندحر أيضا وسيرتد عليها سهمها وسينقلب عليها سحرها. فالإعلام الذي يمتلكون معظم وسائله التقليدية والحديثة، ويتحكمون في أكثر من 90 بالمائة من نوافذه المؤثرة بدأ ينقلب شرا عليهم، بنقله بشاعاتهم التي يرتكبونها في غزة، ويعيد قراءة تاريخ المأساة من أولها، ويعرض الظلم الذي تعرض له الفلسطينيون على مدى أكثر من 75 عاما، والأهم أنه ينقل انتقادات وإدانات أصوات بالآلاف وربما بالملايين (كثير منها أصوات مسؤولين رسميين ومشاهير ومؤثرين) للجرائم الصهوينية. من بين وسائل إعلامية مهمة تحدثت عن الكذب والتخبط الإسرائيلي والأمريكي، اتهمت صحيفة الإنترسبت الأمريكية الرئيس الأمريكي ومسؤولين في إدارته باللجوء إلى نظرية المؤامرة التي ظلوا يرهبون بها مخالفيهم لعقود طويلة. وضربت مثلا على ذلك بتشكيك البيت الأبيض في أعداد ضحايا الإبادة الجماعية الجارية في غزة، وتخبط تصريحاته، رغم توثيق تلك الأعداد من قبل مؤسسات دولية معتبرة. الآن ينقلب السحر على الساحر أيضا بتصاعد استنكار جرائم الصهيونية النازية في أنحاء العالم ورفض تسميتها، تزييفا وتزويرا، معاداة السامية من قبل «الإعلام الغربي». وينعكس ذلك في تزايد عمليات ما يسمى «معاداة السامية» إلى درجة وصفها مسؤول أوروبي بأنها «تهديد وجودي» لليهود في عموم أوروبا، وأنهم يكتشفون الآن أن كراهية اليهود متجذرة في المجتمع الأوروبي. ففي بريطانيا، وبحسب «الإيكونوميست» زادت كراهية اليهود بنسبة 13% خلال الأسابيع الماضية مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وفي ألمانيا تم الإبلاغ عن زيادة بنسبة 240 % خلال 3 أسابيع فقط. وفي فرنسا تم الإبلاغ عن 819 عملية مماثلة منذ 7 أكتوبر مقارنة ب 436 فقط طيلة العام الماضي، مما اضطر كثيرا من اليهود هناك إلى التخفي، بتغيير أسمائهم في التعاملات المحلية، والتوقف عن ارتداء القلنسوة اليهودية وما شابهها. وفي هولندا أُبلغ عن عمليات مشابهة، أقلها المجاهرة بأن «حماس» على حق وأنه كان عليها أن تفعل ما فعلت منذ زمن. وكشفت دراسة حديثة ل «رابطة مكافحة التشهير» ومقرها واشنطن أن العبارات المعادية لليهود راسخة في ما لايقل عن عشر دول أوروبية وأن ربع الأوروبيين مازالوا يحملون معتقدات تاريخية معادية لليهود. وذكرت أنه في إسبانيا وجد أن 26% من الإسبان يحملون مشاعر عداء قوية لليهود. وجاءت بعدها بلجيكا بنسبة 24 %، وبعدها فرنسا بنسبة 17%، وبعدها ألمانيا بنسبة 12%. كما أنه في وسط وشرق أوروبا كان العداء لليهود أكبر كثيرا حيث بلغت نسبته في المجر 37% وفي بولندا 35%. ينقلب السحر على الساحر الآن، لأن الإعلام الذي سخروه لخدمة أهوائهم زمنا طويلا غيّر العالم رغما عن أنوفهم، وقدم للبشرية نموذجا غير مألوف في التضحية والصمود من أجل الحرية، أسفر طوفانا من الغضب العالمي، لا يتوقف ولن يتوقف. نموذج من الزمن القديم تُلخص رِسالَته مقولةَ مالكوم إكس «إن الحرية ثمنها هو الموت». لقد رأى العالم غزة وهي تدفع ثمن الحرية فخرجوا، في كل بقعة، كما لم يخرجوا من قبل، ومازالوا، ليعلنوا أن غزة لا تُحرر فلسطين فقط بل تحرر العالم بأسره، وعلى العالم أن يعلم أنه يدافع عن نفسه بدفاعه عن غزة، وإلا، فسيدفع الثمن بنفسه غاليا فيما بعد.