18 سبتمبر 2025
تسجيلرسخت العشريتان الأخيرتان في العالم العربي عبارة (الخطر الداهم) التي جاءت في بنود أغلب الدساتير العربية قديمها وحديثها وتم استعمالها في حالات كثيرة لفرض قوانين الطوارئ أو لتغيير قواعد الأنظمة السياسية التي فشلت ونحن هنا نقدم للقراء المراجع الأصلية لهذا المفهوم الدستوري الذي ظهر في نصوص الدساتير الأوروبية والأمريكية دون تقييم لمدى صحة أو انحراف استعماله في دول عديدة وكان الدستور الفرنسي لسنة 1958 هو الذي فسر أكثر من سواه معنى الخطر الداهم وقنن مسؤوليات الماسكين بالسلطة في هذه الحالة وفسر دور السلطات التنفيذية والتشريعية والمجتمعات المدنية للحد من ممارسات السلطة في حالة انحرافها أو استعمال هذا المفهوم لإقصاء منافسيها أو اضطهادهم بدعوى مواجهة الخطر الداهم. فالدستور الفرنسي الصادر عام 1958 مع تعديلاته المتعاقبة في المادة 16 من أحكام الطوارئ يقول: "إذا تعرضت مؤسسات الجمهورية أو استقلال الدولة أو وحدة أراضيها أو تنفيذها لالتزاماتها الدولية لخطر داهم وجسيم وفي حال توقفت السلطة الدستورية العامة عن حسن سير عملها المنتظم يتخذ رئيس الجمهورية التدابير التي تقتضيها هذه الظروف بعد استشارته الرسمية رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري. ويوجه خطاباً للأمة ويعلمها حول هذه الإجراءات." ويحرض على ضمان الرقابة الدستورية للهيئات المختصّة فيذكر "سوف تُحدد التدابير بحيث تزود السلطات العامة الدستورية بأسرع وقت ممكن بوسائل للقيام بواجباتها. ويستشار المجلس الدستوري فيما يتعلق بمثل هذه التدابير" ويضيف هذا البند 16 بأن البرلمان يظل منعقدا ولا يجوز حله أثناء مرحلة الطوارئ وحدد البند مدة الإجراءات الإستثنائية بثلاثين يوما تجدد مرة واحدة بموافقة المجلس الدستوري ضمانا للعودة السريعة لدولة المؤسسات وحفاظا على مصالح الأمة. أما الدستور الألماني الصادر عام 1949 فيفصل بين مختلف الأخطار المتعلقة بسلامة الأفراد ويبيّن كيفية التعاطي معها. ولكنّنا سنقتصر في ورقتنا هذه على ما ورد في أحكام الطوارئ فقد أشارت المادة 87 أ [القوات المسلحة] في تفريعها الرّابع إلى أنه "درءاً لخطر وشيك يهدد كيان الاتحاد أو نظامه الأساسي الديموقراطي الحر أو كيان أي مقاطعة أو نظامها الأساسي الديموقراطي الحر يجوز للحكومة الاتحادية أن تنشر القوات المسلحة لمساعدة الشرطة وقوات شرطة الحدود الاتحادية في حماية الممتلكات المدنية ومكافحة العناصر المتمردة المسلحة" ويحدد عمل الحكومة الاتحادية بشروط ملزمة وأشارت المادة 91 من [حالة الطوارئ الداخلية] إلى أنه "درءًا لأي خطر وشيك يهدد كيان الاتحاد أو نظامه الأساسي الديموقراطي الحر أو كيان إحدى المقاطعات أو نظامها الأساسي الديموقراطي الحر يجوز لأي مقاطعة أن تطلب تزويدها بقوات للشرطة من مقاطعات أخرى وكذلك تزويدها بقوات وأجهزة تابعة لإدارات أخرى ولقوات شرطة الحدود الاتحادية أما الدستور الأمريكي وهو أقدم الدساتير فهو يحدد مفهوم الخطر الداهم بمعنى وحيد وهو تهديد الوحدة بين الولايات المشكلة للدولة الفيدرالية أو إعلان استقلال واحدة منها أو هجوم خارجي على حدود الولايات المتحدة أو قيام البعض بمحاولة الانقلاب على السلطة الفيدرالية وهنا نلاحظ أن غزو الكونغرس من قبل "جماهير" مؤيدة للرئيس الخاسر ترامب رغم خطرها الداهم وتهديدها للأمن العام ولسلطة الدولة لم يقع استعمال بند الخطر الداهم والاكتفاء بإجراءات قضائية عادية ضد المعتدين في تلك الليلة التاريخية. هذه نبذة عن مصادر الدساتير العربية جميعا وهي التي توقعت حدوث خطر داهم أو خطر جاثم وواجهته كل سلطة عربية بآليات مختلفة وتفسيرات وتبريرات متباينة تلاءمت في أغلب الحالات مع ظروف معقدة وصعبة ومتشابكة جعلت النصوص لا تطبق بشكل مثالي. [email protected]