12 سبتمبر 2025
تسجيلوضع سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني النقاط على الحروف في خطابه أمام أعضاء مجلس الشورى في افتتاح الدورة الرابعة والأربعين للمجلس، ومن أهم ما أعلنه تصعيد الحرب على الفساد عندما قال: "لن نتسامح مع الفساد المالي والإداري، أو استغلال المنصب العام لأغراض خاصة، أو التخلي عن المعايير المهنية لمصلحة شخصية".إن استئصال الفساد مسألة حياة أو موت بالنسبة لأي دولة أو مجتمع، ففي اللحظة التي يجد فيها الفساد مرتعا ومتنفسا فإنه يبدأ بنخر المجتمع بما يؤدي إلى انهياره، وكم من الدول والإمبراطوريات انهارت بسبب استشراء الفساد في أركانها.الفساد لا يعني السرقة أو النصب والاحتيال فقط، وهو الجزء الذي يمكن مشاهدته عيانا، لكنه يشمل أيضاً استغلال المنصب لأغراض خاصة، والتخلي عن المعايير المهنية لمصلحة شخصية، كما قال الأمير، وتشمل كذلك مراكمة الأخطاء، وعدم الأمانة بكل معانيها وعلى رأسها بالطبع "المحسوبية والواسطة" وتنحية الكفاءة جانبا في الجانب الوظيفي، وتقديم الولاء الشخصي لهذا المسؤول أو ذاك على الكفاءة المطلوبة، وتقريب البعض من "الحبايب"، على حساب آخرين. وللأسف فإن العالم العربي كله مبتلى بهذا النوع من الفساد، وهو يكاد يكون جزءا مؤسسا، ومن حسن حظنا في قطر أننا من الأقل فسادا في العالم العربي كله، وهذا شيء طيب، ولكنه لا يكفي، فلا بد من نزع حصانة أي فاسد مهما كان، والضرب بيد من حديد على يد من يعبث بالوطن ومقدراته وحاضره ومستقبله، وهذا يعتبر من أولى الأولويات، ما يجعل من قول الأمير "لن نتسامح مع الفساد" ذا ثقل ووزن كبير ينفذ على الأرض، فما شدد عليه الأمير ليس كلاما عابرا، بل توجيهات ملزمة لرئيس الحكومة وأعضائها على تتبع مصادر الفساد ومنابعه واستئصاله، خاصة أن الفساد قادر على "التخفي" والاختباء والتمويه.لاشك أن سمو الأمير لم يكن ليتطرق إلى هذه القضية الحساسة والمفصلية من فراغ، وهذا ما يتضح من حديثه عن "الهدر والترهل الوظيفي وعدم المحاسبة على الأخطاء، واستخدام المال للتغطية على الفشل"، وهي في مجملها قادرة على قتل أي دولة ووقف نموها وازدهارها وإضاعة مستقبل أجيالها.لقد طالب سمو الأمير الشيخ تميم بالمصارحة، ونحن نستجيب لهذه الدعوة بالمصارحة بمطالبة الحكومة بتحويل ما جاء في توجيهات سمو الأمير إلى برنامج عمل مؤطر زمنيا، لمعالجة السلبيات والأخطاء.لابد أن نسجل أننا لا نغمط الحكومة ورئيسها الشيخ عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، فإن ما حققته من إنجازات يشار إليها بالبنان، منذ توليه رئاسة الحكومة، وهي إنجازات لابد من تقديرها والثناء عليها، لأنها أحدثت نقلة نوعية في التعليم والبنية التحتية وأمن المواطنين والمقيمين والاستقرار الاقتصادي، وتنمية الموارد البشرية، لكن حركة الزمن لا تتوقف، وهي حركة لا ترحم من لا يواكبها ولا يمسك بزمامها ليقود السفينة في هذا البحر المتلاطم من الأزمات التي تغرق الوطن العربي، الذي نشكل جزءا منه، ولن نكون بمنأى عما يحدث فيه سواء قبلنا أو رفضنا.