12 سبتمبر 2025
تسجيلانتشر كثيراً شعر الحكمة والزهد عند شعراء العرب في زمن الدولة العباسية.. فنرى الكثير من الشعراء الذين ولجوا باب المجون والشعر الفاحش يتطرقون في فترة من فترات حياتهم إلى شعر الحكمة أو الزهد في الدنيا، أمثال أبو نواس وبشار بن برد وغيرهما.. ونقف في هذه العجالة عند إحدى قصائد الشاعر الكبير أبو العتاهية المشهور بالبخل والتقتير وهو يصور لنا في قصيدته تفاهة الحياة وأن نهايتها هي الموت الذي لا ريب فيه.. فهو يقول في قصيدته اللامية: نَعَى نَفسي إليَّ من اللياليتَصَرُّفُهُنَّ حالاً بعد حالِفمالي لستُ مشغولاً بنفسيومالي لا أَخَافُ الموتَ ماليلقد أَيقنتُ أَنِّي غيرُ باقٍولكنِّي أَراني لا أُباليأَما لي عِبرةٌ في ذِكرِ قَومٍتَفَانَوا، ربما خَطَروا بباليكَأَنَّ مُمَرِّضي قد قامَ يَمشيبنعشي بين أَربَعةٍ عِجالِوخَلفي نِسوةٌ يبكينَ شَجواًكأَنَّ قُلُوبَهُنَّ على مَقَالِسَأَقْنَعُ ما بَقيتُ بقوتِ يومٍولا أَبغي مُكاثَرَةً بمالِتَعالى اللهُ يا سَلْمَ بن عمروأَذَلَّ الحِرصُ أَعناقَ الرجالِهَبِ الدنيا تُساقُ إليكَ عَفواًأَليسَ مصيرُ ذَاكَ إلى زَوالِفَمَا تَرجو بشيءٍ ليسَ يَبقَىوَشِيكاً ما تُغَيِّرهُ اللياليوَحَقِّكَ كُلُّ ذَاَ يَفْنَى سَريعاًولا شيءٌ يدومُ مَعَ اللياليخَبرتُ الناسَ قَرناً بعد قَرنٍفلم أَرَ غَيْرَ خَتَّالٍ وَقَالِوذُقتُ مَرارَةَ الأشياءِ طُرّاًفما طَعْمٌ أَمَرّ من السؤالِولَمْ أَرَ في الأُمُورِ أَشَدَّ وقعاًوأَصعبَ من مُعاداةِ الرجالِولَمْ أَرَ في عيوبِ الناسِ عَيْباًكَنَقْصِ القادرينَ على الكَمَالِ واتخذ أبو العتاهية من القبور وساكنيها عظة وعبرة وجعل ذلك وسيلة في قصائده للحض على الزهد في الحياة فيقول في إحدى قصائده:سَلامٌ على أهلِ القُبورِ الدوارسِكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجلسوا في المجالسِولم يَبْلُغوا من بارِدِ الماءِ لذَّةولم يَطْعَموا ما بَيْنَ رَطْبٍ ويابسِولم يَكُ منهم في الحياة مُنافِسٌطويلُ المُنى فيها كثير الوَساوِسِلقد صِرتُم في غايةِ الموتِ والبِلىوأَنْتُمْ بها ما بَيْنَ راجٍ وآيسِفلو عَلِمَ العِلمَ المنافسُ في الذيتَركتم من الدنيا لَهُ لم يُنافِسِوسلامتكم...