13 سبتمبر 2025

تسجيل

يستمر الجدل حول داعش والصقر الأمريكي ومصير الشرق

08 أكتوبر 2014

بعد نشر مقالي حول الربيع والصقيع الأسبوع الماضي تلقيت رداً كريماً من زميل جامعي تونسي وقع باسم عبدالرحمن بلحاج فرج أثرى النقاش حول هذه المعضلة العربية والإسلامية والعالمية وأنا أستسمحه وأستسمح القراء الأفاضل لنشر ما كتبه هذا الزميل الجامعي على صفحتي الفيسبوكية فهو رغم أنه خالفني الرأي فقد أنار سبيلي ودلني إلى ما غفلت عنه في مقالي بلغة راقية مختلفة عن استنقاص رأيي أو تفنيد تحليلي بل إن هذا التفاعل الأكاديمي مع مقالي المتواضع أثبت لي ما تزخر به ثقافتنا السياسية العربية من كفاءات عالية تبدي الرأي وتجادل بالتي هي أحسن دون سقوط في الشتيمة والديماغوجيا. وهو في الحقيقة رأي متميز رغم اختلافي الأخوي معه في بعض التفاصيل ويعزز ثقتي في زملائي المثقفين الذين يكلفون أنفسهم مشقة الكتابة دون البحث عن شهرة أو غلبة. يقول صاحبي أعزه الله: هل "داعش هي رأس الحربة "أم الطـعـمُ لمستنقع جديد؟!! كتب الدكتور "أحمد القديدي" متسائلا: "تركيا وإيران جناحان للصقر الأمريكي القادم"؟! وجاءت فيه "قراءة" تتراءى من خلالها حركة مخاض جيواستراتيجي دولي جديد!! وانبلاج فجر الصقر الأمريكي بانفراد (مؤقـت) بالقوّة العسكريـة وسهولة التموقع بجيوشه في القارّات الخمس!! يقول الدكتور القديدي: "أغلب الظنّ، لدى أولي الألباب من المحللين السياسيين، أن داعش هي رأس الحربة لتنفيذ المخطط الغربي الجديد نحو رسم خارطة شرق أوسط جديد!! وأغلب الظن أيضـا أن العالم العربيّ سيكون مهمـشـا أو ذا دور ثانويّ استحقـه عن جدارة بسبب التخبـط وانعدام الرؤية وسوء التقدير". بقدر ما أعجبتُ بالتحليل والتعليل وبالقراءة الواضحة للواقع العالمي الحاليّ، وبمقاربة الدكتور "أحمد القديدي "بقدر ما تساءلتُ عن مدى وعيه بالتغيـر الحاصل في "مسار التاريخ" منذ العام 2000م أي منذ مطلع القرن 21 والألفيـة الميلاديـة الثالثة!! وتأكـدتُ أن صاحب المقال إنما تعامل مع ظاهر الأمور في السنوات الأخيرة دون أن يربط ذلك بمجرى التاريخ وتطوّر الوجود البشريّ في هذا العالم الدنيويّ!! نعم هنالك "مخاض جيواستراتيجي" ولكنـه في الحقيقة مخاضان اثنان ومتزامنان في الوقت نفسه!! ** الظاهر منهما هو الذي يقوده الغرب الأطلسيّ بزعامة الولايات المتحدة الأمريكيـة!! وكلـه مساع ومحاولات وعمليات عسكريـة هي ردود فعل من أجل الاحتماء والدفاع عن الذات، أكثر منها مبادرات بناء وتأسيس!! ولذلك فهي كالسراب لا تجد وراءه شيئـا يفيدك!! والإعلام الغربي المهيمن يريد تصوير هذا السراب على أنـه مبرمج ومهيـأ له منذ سنوات من طرف "القوّة العالمية العظمى الأولى" واللوبـي الذي يقف وراءها بالفكر والتخطيط!! ولذلك يعتبر الدكتور القديدي أن"داعش" (الدولة الإسلاميـة في العراق والشام) هي أحَدُ نـتاج هذا الفكر وإحدى مفرزات تخطيطه!! ** أمّا المخاض "الخفيّ" والذي فات الدكتور القديدي الانتباه إليه، فهو من فعل "الحتميـة القدريـة"!! وهو "الانقلاب" في مسار التاريخ الحديث باستغلال "الولايات المتحدة" والغرب لتنفيذ أهدافه بالنسبة للألفيـة الحالية والتي بدأت إشارته الكبرى الأولى منذ "الكسوف الأكبر لأواخر التسعينيات وبداية القرن الواحد والعشرين!! وقد عشنا "الهجوم" وليس "الدفاع"!! عشنا تفجير البرجين في 11سبتمبر 2001 في عقر دار الأمريكان!! وعشنا منذ 2002 استدراج هؤلاء المغرورين إلى "مستنقع" أفغانستان وباكستان والعراق2003.. واليوم سوريا وقريبا المنطقة المغاربية والجزائر بالخصوص!! ولا ننسى ضربة معبد وبيعة "الغريبة /جربة(الجمهورية التونسيـة) في 11أبريل 2002 والتي استهدفت "الصهاينة" مباشرة وتخصيصـا!! وعشنا الأزمة المالية العالمية الكبرى لسنة 2008 والتي لا يزال الغرب يعاني من آثارها إلى اليوم!! وهانحن نعيش "الربيع العربيّ" منذ بداية العشرية الثانية!! وفيه العالم الغربي تفاجأ وبوغت وكان مدافعـا أكثر ممّا هو مهاجم!! ولم يخرج سوى بالهزائم والنتائج السلبيـة من العشريـة الأولى ومن كل المستنقعات!! أقول للدكتور القديدي: "الصقر" ليس الأمريكان ولا الغرب الأطلسيّ الآيل إلى تقهقر وانكسار وضياع!! بل هو "الحتميـة القدريـة" والتي لا تزال في بداية مشوارها لأن "المسار طويل" والمسيرة واعدة!! وقال تعالى في كتابه العزيز:"ونريد أن نمنّ على الذين استـضعـفوا في الأرض ونجعلهم أئمـة ونجعلهم الوارثين" (القصص 5) صدق الله العظيم!! وأقول للدكتور القديدي: إن وكر "الصقر" هو في تونس [ قرطاج]!! ومن هنا ستنطلق كل التحدّيات نحو الآفاق الموعودة من الخالق سبحانه وتعالى!! وقد عشنا الشرارة الأولى لهذا الانطلاق!! وكانت من "سيدي بوزيد"في أواخر 2010!! وأقول للدكتور القديدي: لن يكون هنالك أي مكان لـ"داعش" ولا لـ"دامس" ولا للظلاميين جميعهم والتكفيريين في المشوار الحضاري والثقافي والتاريخي القادم!! ولن تكون"داعش" هي رأس الحربة بل الطـعم المفخـخ للوقوع في مستنقع "الربيع العربيّ" (تسمية غربية متشائمة ومفزعة)!! لأن المقدّسات لا يمكن سوء استغلالها من أحد مهما كبر شأنه!! ولأنّ "الغـراب" الغربيّ الأطلسيّ الأمريكي سيكون الضحيـة والتابع المنفـذ لما برمجته إستراتيجية الخالق سبحانه، منذ الأزل وضمن "الحتميـة القدريـة"!! وستندثر "داعش" وصويحباتها ومثيلاتها بعد أن يهزموا وينكسروا ويتشتتوا!! وسيكون العالم أحسن وأفضل وأكثر سلمـيّة في هذا القرن 21 وللألفيـة الميلادية الثالثة القادمة!! أي في عهد "الأبرار" وبدون الظلـمة والمستبدّين المستضعـفين للشعوب والعابثين بقضايا الحق والعدل والإنسانيـة!! انتهى تعليق الزميل الفاضل ولعل أقلاما عربية أخرى تستمر في التفكير والكتابة خدمة للفكر السياسي العربي الإسلامي لأننا في الحقيقة نستقل نفس المركب وهو يعبر أقيانوس الحضارة ويصارع العواصف الهوجاء في عالم لم نعد نفرق فيه بين الظالم والمظلوم وبين المستكبر والمستضعف لأن الآلة الإعلامية والتكنولوجية الرهيبة هي اليوم في يد الغرب اليميني العنصري لا الغرب الإنساني المستنير وهي الآلة التي تصنع الرأي العام العالمي وتشكل رؤيته للأحداث وتوجه ثقافته وتفكيره وتحدد له مواقفه وهو غير واع بأنه مفعول به لا فاعل ومسير لا مخير بل هو عبد لا حر.