11 سبتمبر 2025

تسجيل

يتزوجون ثم يهربون!

08 أكتوبر 2012

رغم أن الجدال مازال قائما ومستمرا حول مسميات وأشكال الزواج التي اجتاحت مجتمعاتنا العربية إلا أن الأغلبية من العلماء والخبراء والمختصين في شؤون الأسرة يرون أن الزواج السياحي زواج فاشل ويفتقد لمقومات النجاح فالأصل في الزواج الديمومة وإنشاء أسرة وما يحدث في هذه الزيجات المؤقتة التي يديرها غالبا سماسرة الزواج من مخالفات شرعية وقانونية كاستغلال حاجة الأسر الفقيرة المعدمة للمال والضغط عليها للموافقة على ارتباط بناتها بزيجات قصيرة والتي غالبا ما تنتهي بالطلاق السريع وإنكار نسب الأطفال يدخلها ضمن دائرة المتاجرة بالبشر. واستهتار بعض الفتيات بالعدة والأحكام الشرعية والارتباط بأكثر من زوج وبفترة متقاربة بهدف الحصول على منفعة سواء مالية أو شهوانية يوجب تحريم مثل هذه الزيجات السياحية والتحذير من مخاطرها. ومن الآثار السلبية لهذا الزواج العشوائي ما قد ينتج عنه من إنجاب أطفال غالبا ما يكون مصيرهم مجهولا حيث يترك مئات الخليجيين أطفالهم الذين أنجبوهم من تلك الزيجات المؤقتة والتي تتم غالبا عرفيا أو بطريقة تقرها عادات وتقاليد تلك الدول بلا أوراق ثبوتية وبلا نفقة فيهربون ويغيرون عناوينهم وأرقام هواتفهم بمجرد معرفتهم بوجود حمل أو بعد الولادة بفترة بسيطة مما يجعل الأبناء عرضة للتشرد والانحراف. ويعيش الآلاف من أبناء السعوديين والخليجيين في بلدان عديدة من العالم قصصا مأساوية وأوضاعا معيشية صعبة للغاية بعد أن تنكر لهم آباؤهم وعادوا إلى ديارهم وانقطعت جميع سبل الاتصال بهم. والكثير من ضحايا هذه الزيجات لا يعرفون شيئا عن آبائهم وأوطانهم . ولا يربطهم ببلدانهم سوى جواز السفر الذي يحملونه. وبعضهم لا يتحدث العربية. ولا يدين حتى بالإسلام. ولكنه حينما تسأله عن هويته وجنسيته يجيب ببساطة: أنا عربي.قبل عدة شهور أرسل لي شاب خليجي يدرس في إحدى الدول العربية رسالة يحكي فيها مشكلته وأنه تزوج عرفيا من إحدى الفتيات وأنجب منها طفلا وهو الآن خائف من انكشاف أمره أمام عائلته الثرية. وحينما طالبته بالاعتراف لعائلته وتصحيح وضع ابنه ومنحه الأوراق الثبوتية رفض بشدة فهو غير قادر على مواجهة عائلته. ولا جرح مشاعر ابنة عمه التي سوف يتزوج بها حالما ينتهي من دراسته. وبعد فترة انقطعت رسائل الشاب ونسيت قصته.وحينما ظهرت قصة السباحة ياسمين الخالدي السعودية الفلبينية المشاركة في فريق السباحة الفلبيني في أولمبياد لندن والتي لا تجيد العربية ولا تدين بالإسلام تذكرت قصة الشاب المبتعث الذي قرر التنكر لابنه بسبب خوفه من عائلته. فياسمين وغيرها من الشباب والأطفال المولودين من الزيجات السياحية وغير النظامية والمنتشرين في دول عديدة من العالم ضحايا لنزوات آبائهم الذين تهربوا من أخطائهم ومسؤولياتهم بالتنكر والهجران وطي صفحة الماضي بمجرد ركوب الطائرة والعودة إلى بلدانهم كعادة بعض السياح والطلبة الخليجيين.حينما أسمع أو اقرأ عن ضحايا الزيجات السياحية أتساءل دائما كم في هذا العالم من طفل أو طفلة عربية لا يعلم بهم أحد سوى آبائهم الذين خذلوهم وأسهموا في معاناتهم من الفقر والتشرد؟ أليس فيهم من يعاني الفقر وحرم من طفولته والتمتع فيها ليعمل ويعيل والدته رغم أن والده على قيد الحياة وربما يكون من الأثرياء؟ وأليس فيهم من حرم من التعليم مع أن له وطنا يضمن له ولكل من يعيش على ترابه مجانية التعليم؟ نعم..هناك الكثير من القصص والمآسي المجهولة لضحايا الزواج السياحي. وما يزال أصحابها يعانون الأمرين في تدبير شؤون حياتهم بسبب شخصيات جبانة وغير مبالاية قررت أن تخفي ماضيها الأسود وتتكتم على نزواتها وزيجاتها السياحية وأن لها أطفالا في إحدى الدول العربية أو الآسيوية يعيشون بلا هوية ولا أوراق ثبوتية ويعاني معظمهم من الفقر والحرمان. وبسبب مخاوف تلك الشخصيات من انكشاف ماضيها أمام عائلتها. أو عدم القدرة على مواجهة غضب الزوجة الأولى يحرم الأبناء من جميع حقوقهم الإنسانية مما يجعلهم أمام مصير مجهول وفريسة سهلة لعصابات الدعارة والمتاجرة بالبشر.إن حل المشكلات التي تواجه هؤلاء الضحايا خاصة بعد رحيل آبائهم سواء بالوفاة أو الانفصال عن الأم أو الإنكار يتطلب من السفارات الخليجية والجمعيات الخيرية المعنية بتلك الحالات البحث عنهم ومتابعة أحوال هذه الأسر بصفة دورية ومساعدتهم على استخراج الأوراق الثبوتية وانتشالهم من الفقر والعوز المنتشر بين ضحايا تلك الزيجات حتى لا يقعوا فريسة لعصابات التسول والإجرام.