14 سبتمبر 2025

تسجيل

حياك الله يا ناصر محمد العثمان

08 سبتمبر 2023

بارك الله في قناة الريان، التي حاورت عميد الصحافة القطرية وأحد روادها الكبار صديقي وصديق الجميع ناصر محمد العثمان في برنامج ذكي بعنوان (صور في الذاكرة)، فجمع منتج البرنامج بين حديث منعش وعميق لرجل من الرجال الذين تفتخر بهم قطر والعرب، وبين ألبوم نادر من صور ماضي هذه الدولة الرائدة المعترفة على الدوام بأفضال كل من خدموها من أمراء سابقين وشيوخ وأدباء ورواد أعمال وصناع حضارة ومهندسي مجد، رحم الله من توفي منهم وبيض الله وجوه قادتها الحاليين، الذين لم ولن ينسوهم بل وضعوا البر بهم وبذكراهم العطرة فوق كل قيم الوفاء من أجل تواصل الدولة واستمرار العطاء. نعود إلى شخصية عميد الصحافة القطرية - متعه الله بالصحة والعافية - وقد حالفني الحظ أن تعرفت عليه قبل استقراري بالدوحة مدرسا بجامعتها الأصيلة حيث كنت أدعى للموسم الثقافي الجامعي كأستاذ زائر بفضل مروءة صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة حفظه الله حين كان آنذاك وليا للعهد ووزيرا للدفاع، وهي مروءة واصل الحفاظ عليها حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى الشيخ تميم بن حمد - وفقه الله ورعاه -. صادف زمن تعرفي على عميد الصحافة مع بداية سنوات الجمر بالمنفى الذي أخرجني من وطني بغير حق عام 1986 مع رفيق الكفاح والمنفى محمد مزالي رئيس حكومة تونس ووزير الدولة للدفاع أحمد بنور رحمهما الله ووزير الداخلية الطاهر بلخوجة أطال الله عمره. وتصادفت تلك المرحلة أيضا مع محطة مضيئة من تاريخ تعزيز الصحافة القطرية المتميزة بوجود صحيفة (الشرق) الغراء وتولي الإعلامي القدير ناصر محمد العثمان رئاسة تحريرها وتأطير ثلة من الشباب القطري والعربي لتكوينهم وتوجيههم مما ترك في نفوسهم صورة المشرف النصوح بكل لطفه المعهود وتشجيعه الناجع مما أعطى للشرق إشراقها المستمر إلى اليوم وأفردها بشخصية إعلامية وخط تحريري حافظت عليهما الشرق واقتضت سنة التداول مع الزمن بإشراف إخوة إعلاميين متميزين على رئاسة تحريرها بنفس الحماس والكفاءة المهنية، ومنهم عبد العزيز آل محمود وعبد اللطيف آل محمود وأحمد عبد الملك وصادق العماري وجابر الحرمي لفترتين وهو إلى اليوم على رأس مسؤوليته الجسيمة كان الله في عونه، وهو الذي حتى حين لم يتحمل مسؤوليات رسمية كان متألقا في الحوارات الوطنية عبر القنوات والندوات مدافعا عن وطنه ومصالح وطنه بالحجة القوية والبرهان الثابت. نعود إلى العميد ناصر محمد العثمان ونتذكر أن أول مقال نشرته لي الشرق كان بعنوان (رب اجعل هذا البلد آمنا) كتبته مستوحيا إياه من الحكمة المنقوشة في أحد الدوارات والى اليوم يحضنها جناحان يرمزان إلى انطلاقة قطر العزيزة نحو نهضتها الشاملة وتمسكها بسيادتها ومبادئها. وكانت تلك تحيتي الصادقة لقطر التي لم أكن مستقرا فيها بعد عام 1990 حين كانت دولة الكويت لا تزال محتلة بغزوة صدامية (ولا أقول عراقية) وهي الكبيرة السياسية من الكبائر التي فتحت الخليج على التدخلات الأجنبية وزعزعت استقرار دوله الست المنضوية صلب مجلس التعاون وأربكت السلام العالمي، ومع الأسف أعلنت دمار العراق وإعادته كما «وعد» رئيس أمريكا بوش الى العصر الحجري!. في تلك المحطات العسيرة التي لم يتبين فيها الخط الأبيض من الخط الأسود كان قلم ناصر العثمان سيفا يقاوم الباطل ويدعو لرص الصفوف الخليجية والعربية وراء أهداف سامية تجمع ولا تفرق وتقنع أهل الخليج والعرب بضرورة إعطاء الأولوية المطلقة للوفاق ونبذ الشقاق. ولا ننسى مديري التحرير المتعاقبين إلى اليوم على هذه المسؤولية الدقيقة وأتذكر خاصة فقيد الصحافة نور محمد نور الذي توفاه الله وهو على رأس عمله عام 1999 كما أتذكر ارتباط وجه بشوش بإدارة الصحيفة، وهو شفيق الكفراوي وغيره من الوجوه الأليفة وهي جزء من تلك القيم التي تأسست عليها عقيدة صحيفة الشرق الى اليوم وتعود بي الذكرى الى حملة عالمية نظمتها (الشرق) بتنسيقي الشخصي وبحماس رئيس تحريرها عام 1998 الأخ عبد العزيز آل محمود وهي حملة نصرة المفكر الفرنسي المسلم الكبير صديقي رحمة الله عليه رجاء جارودي وهو الذي لاحقته إسرائيل وقوانين فرنسا بالحكم عليه بالسجن وبعشرين ألف دولار غرامة لأنه «اتهم» بمعاداة السامية لمجرد التعبير عن رأيه في كتابه الشهير (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) واجتمعت في لجنة مناصرته نخبة من المثقفين والمثقفات من قطر وأبرزهم الدكتورة عائشة المناعي حفظها الله والشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله والوزير المثقف حمد عبد العزيز الكواري حفظه الله وتبرع أحد رجال الأعمال القطريين بالعشرين ألف دولار قمنا بدفعها كغرامة ونجا الصديق جارودي من السجن نظرا لتقدمه في السن. والقانون الجائر الفرنسي يسمى باسم مقدمه للبرلمان (قانون غايسو) وهو لأول مرة في تاريخ القضاء يجرم مجرد التشكيك في عدد ضحايا المحرقة (الهولوكوست) ومجرد إدانة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين! المهم نجحنا في (الشرق) لنحبط مخطط التنكيل برجل ذي قامة فكرية إسلامية خاطبت الغرب بلسانه وهو المقاوم للنازية الذي حكم عليه بالإعدام سنة 1943 من طرف حكومة (فيشي) النازية ونجا من الإعدام بفضل عسكري مسلم رفض أن يطلق النار على المحكوم لأن دينه لا يسمح له بالتعدي على حياة الناس بغير حق.