12 سبتمبر 2025

تسجيل

السودان: غلطة الحكومة التي أفقدتها أكبر كتلة دينية وسياسية

08 سبتمبر 2014

انفرد السيد الصادق المهدي، زعيم طائفة الأنصار الدينية الأكبر، ورئيس حزب الأمة، أكبر الأحزاب السودانية، من بين جميع خصوم نظام الحكم السوداني، بخاصية الصبر على تجاوزات النظام الحاكم معه، ومع حزبه، على مدى تجاوز ربع قرن من الزمن. وتمثلت تلك التجاوزات ابتداء في حل الحزب الكبير ومصادرة ممتلكاته ودوره وأرصدته المالية. كما تمثلت في الاعتقالات المتكررة للسيد المهدي، ولبعض أفراد أسرته، وبعض قادة حزبه. بالإضافة إلى الحملات الإعلامية القاسية. والإهانات، والشتائم الشخصية، التي ركزت على شخصية السيد المهدي بصورة أرادت أن تجرد الزعيم الروحي لأكبر طائفة دينية، والزعيم السياسي لأكبر حزب سياسي، تجرده من أي فضيلة من الفضائل البشرية التي لا تحرم منها أي نفس بشرية بطبيعة الحال. فكم مرة ألفى الرجل نفسه وهو مصنف في عداد الخائنين للوطن، المتآمرين مع أعدائه. إلا أن السيد المهدي ظل على سمته الذي عرف به: من صبر وتسامح تجاه النظام بصورة لم يتفهمها حتى أقرب الأقربين إليه من قيادات حزبه وكبار معاونيه، مما جعل بعض جماهير حزبه تخرج عن طورها في حالات كثيرة وتضيق قلوبها التي في الصدور من هكذا صبر مع نظام تقول عنه هذه الجماهير إنه لا يرعى لها إلا ولا ذمة. وهو سلوك نادر في تعامل جماهير الأنصار مع زعاماتها الروحية. ثورة الجماهير الأنصارية لم تجد تفهما من السيد المهدي الذي ورد عليها ذات مرة بغضب غير مسبوق وبجملة حادة نالت نصيبا من الاشتهار الإعلامي والسخرية حين قال لهذه الجماهير المتذمرة "الباب يفوت جمل". وهذه ردة فعل لا يذهب إليها السياسيون في التعامل مع جماهيرهم. ولكن الله هيأ لزعيم الأنصار مخرجا مع أنصاره الغاضبين حين جعل النظام يرتكب غلطة العمر في تعامله معه. ويزج به في السجن فقط لأنه انتقد سلوكيات إحدى المليشيات العسكرية التابعة للنظام. بعد خروجه من السجن أعلن الإمام التعبئة الجماهيرية وسط أنصاره في العاصمة والأقاليم استعدادا للاشتراك في أي حراك شعبي يستهدف النظام. وهو الذي ظل يدعو إلى التراضي الوطني ويرفض العنف ضد النظام أو الاستنصار عليه بالقوى الخارجية حتى والنظام يمارس أقسى درجات العنف ضد شعبه. بل فاجأ الإمام المهدي الحكومة وجماهيره والعالم حين شوهد وهو يوقع في قلب العاصمة الفرنسية وثيقة تحالف مع تنظيم الجبهة الثورية المسلحة التي تحارب الحكومة في ثلاث جبهات عسكرية. وتحتل مساحات كبيرة في أقاليم دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ليشكل هذا الحلف أكبر كتلة بشرية في السودان مناوئة للحكومة بفضل ضخامة الكتلة الأنصارية التي تأتمر بأمر الإمام المهدي والتي أصبحت الآن عمليا حليفة للجبهة الثورية. الآن يشاهد النظام الإمام المهدي وهو يجوب العالم يوطد حلفه الجديد. ويجد ترحيبا غير مسبوق على الجبهتين الداخلية والخارجية، وهذا تطور سيكون له ما بعده في السودان. وبعد، هل أدرك النظام أن غلطته مع السيد المهدي هي غلطة الشاطر التي تعدل ألف غلطة؟