14 سبتمبر 2025
تسجيلفي تطور لافت وقعت سلطنة عمان في الأسبوع الماضي اتفاقية طويلة المدى لمدة خمسة وعشرين عاما مع إيران بقيمة 60 مليار دولار لتزود السلطنة بالغاز الإيراني من خلال أنابيب تمتد بين البلدين، مما أعاد للأذهان مرة أخرى التردد القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي حول إقامة شبكة خليجية للغاز على غرار الربط الكهربائي الذي استفادت منه كافة دول المجلس دون استثناء. ومع أن التعاون الإقليمي أمر مطلوب ويساهم في تبادل المصالح المشتركة ويخفف من حدة الاحتقان في المنطقة، إلا أنه نادرا ما يوجد في العلاقات الدولية تعاون اقتصادي بصورة مطلقة وبعيدا عن الاعتبارات والضغوط السياسية، مما يتطلب التنوع في التزود بمتطلبات التنمية، وبالأخص مصادر الطاقة والتي تلعب دورا أساسيا في تحديد مسارات النمو. هناك تنام كبير للغاز في دول المجلس، وذلك بسبب الارتفاع الكبير في إنتاج الكهرباء والتوسع في الصناعات البتروكيماوية، مما حدا ببعض دول المجلس إلى البحث عن مكامن جديدة، بما في ذلك التفكير في إنتاج الغاز الصخري عالي التكلفة والملوث للبيئة. يحدث ذلك في الوقت الذي تتوفر لدول المجلس فرص أفضل وأقل تكلفة لتلبية احتياجاتها من الغاز، وذلك من خلال إقامة شبكة خليجية متكاملة بين دول المجلس، مما سيعزز النمو في البلدان المصدرة والمستوردة ضمن هذه الشبكة، فبالنسبة للبلدان المصدرة، فإنها ستستفيد من انخفاض تكاليف النقل والتي تشكل نسبة كبيرة من قيمة الغاز، وذلك بفضل إمكانية مد خطوط الأنابيب بين دول متقاربة وفي نطاق جغرافي محدود. أما البلدان المستوردة، فإنه بالإضافة إلى تكاليف النقل المنخفضة، فسوف تحصل على إمدادات غاز مضمونة ولا تخضع لضغوطات سياسية بفضل التحالف والعضوية في مجلس التعاون والذي تجمع دوله مصالح مشتركة وعلاقات تاريخية مميزة، وذلك إلى جانب تلبية احتياجاته من الطاقة لتنمية قطاعاته غير النفطية. ومن ميزات التعاون الخليجي في هذا الجانب أنه لا يتأثر بمحاذير التعاون الإقليمي والخاضع للتقلبات السياسية، فالسوق الخليجية المشتركة أصبح قاسما مشتركا لدول المجلس، كما أن تأثر أي سوق خليجية ستجد لها انعكاسات في الأسواق الخليجية الأخرى، مما يعني أن تكامل أسواق دول المجلس أصبح حقيقة تجد انعكاساتها الإيجابية على كافة البلدان الأعضاء في التجمع الخليجي. ربما هناك محاذير فنية تتخوف منها البلدان المصدرة، أي تلك الخاصة بالأسعار، إلا أن هذه مسألة يمكن تجاوزها بسهولة من خلال اتفاق طويل المدى يحدد الكميات والأسعار على غرار الاتفاق العماني – الإيراني، خصوصا وأن عملية البيع والشراء ستتم من خلال شركات متخصصة وتتعامل من منطلقات تجارية وفق ما هو معمول به في أسواق الطاقة العالمية. إجمالا لا تعاني دول مجلس التعاون الخليجي بصورة مجتمعة من نقص في الإمدادات أو الاحتياطيات، بل إن دولة قطر تعتبر واحدة من أكبر مزودي الغاز في العالم إلى جانب روسيا وإيران، وإنما يكمن الأمر في الاحتياجات المتنامية بسرعة في بقية البلدان والتي يمكن لبعضها تطوير مصادرها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلا أن ذلك سيكون مكلفا، مقارنة بالتزود من خلال الشبكة الخليجية في حالة إقامتها، مما يعني أن لهذه القضية أبعادا تجارية واقتصادية مهمة للغاية. لذلك، فإن هذا التوجه المستبعد حاليا من الأجندة الاقتصادية الخليجية يحمل أبعادا إستراتيجية تتعلق بأمن الطاقة في دول المجلس وما قد يترتب عليه من تحالفات إقليمية تعبر عن مصالح الأطراف المتعاقدة والمتبادلة للمصالح الاقتصادية والتي تحدد الكثير من التوازنات في العلاقات الدولية. انطلاقا من هذه الأهمية، فإنه يمكن إدراج إقامة شبكة الغاز الخليجية على جدول أعمال القمة القادمة لدول المجلس والمزمع عقدها بدولة الكويت نهاية العام الجاري، مما سيشكل نقلة نوعية في صناعة الطاقة الخليجية بشكل خاص والتعاون الخليجي بشكل عام.