09 سبتمبر 2025

تسجيل

آباء وأمهات اللمبي!

08 يوليو 2024

انتشر قبل أيام في وسائل التواصل الاجتماعي مقطع مصور في إحدى المدن المصرية يوثق عملية غش جماعي في إحدى المدارس، أبطالها الحقيقيون مجموعة من أولياء الأمور الذين توزعوا كما نرى في المقطع حول المدرسة من الخارج وهم يرفعون أصواتهم بالإجابات الصحيحة لأسئلة الامتحان الذي يواجهه أبناؤهم في الداخل! كثيرون تذكروا وهم يشاهدون المقطع، مشهدا للفنانة عبلة كامل وهي تمارس الدور ذاته في فيلم اللمبي، فهل استوحى الآباء والأمهات فكرة «تغشيش» أبنائهم من أحداث ذلك الفيلم؟ أم أن الفيلم استوحى الفكرة من الواقع الذي لم نكن نعرفه قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي؟ لا تبدو الإجابة هنا مهمة بقدر أهمية البحث عن السبب الذي يجعل من هؤلاء الآبناء والأمهات ينخرطون في ارتكاب جريمة الغش العلني بلا غضاضة ولا شعور بتأنيب الضمير مثلا! المشهد بدا مضحكاً ولكنه أيضا يبعث على الأسى! مواقف وحكايات وأخبار وأحداث أخرى عن الغش المدرسي بأشكال وصور مختلفة رأيناها وسمعنا عنها في معظم البلدان العربية مؤخرا، ففي الكويت مثلا ينظر القضاء في قضية تسريب الامتحانات، والمتهمون فيها مجموعة من الموظفين وغيرهم، إذ شاركوا بتسريب أسئلة الامتحانات وباعوها على مجموعة من الطلبة مقابل مبالغ كبيرة من المال دفعها أولياء أمور هؤلاء الطلبة عن طيب خاطر، فالمهم أن ينجح أبناؤهم وأن يحصلوا على النسب المطلوبة بغض النظر عن الأسلوب أو الوسيلة! وهناك قضايا أخرى مشابهة أيضاً منها توفير بعض أولياء الأمور لأبنائهم سماعات خاصة بالغش يدفنونها في أعماق آذانهم قبل الدخول للامتحان لتلقي الاجابات النموذجية بواسطتها من خارج قاعة الامتحان! لا بد أن كل هذه الأساليب المتنوعة في الغش الكبير نتجت عن واقع تعليمي صعب يواجه فيه الكثير من الطلاب ضغوطًا هائلة للتفوق في الامتحانات والحصول على أعلى الدرجات. وهذه الضغوط تنشأ من توقعات الأهل والمعلمين، والرغبة في إثبات الذات بين الأقران. بالإضافة إلى شروط الجامعات على الطلبة للحصول على مقعد للدراسة مقابل نسب عالية في الثانوية العامة! بالنسبة لبعض الطلاب، تصبح هذه العقدة عبئًا ثقيلًا يؤثر على نشأتهم وشخصياتهم. فالطلاب الذين يعانون من عقدة التفوق في الامتحانات يعيشون في حالة قلق مستمر. والتركيز الشديد على النتائج يتجاوز مجرد الرغبة في التعلم والنمو، فبدلاً من ذلك، يصبح الهدف الوحيد هو الحصول على أعلى الدرجات بأي ثمن. هذا القلق المفرط يؤدي إلى التوتر والضغط النفسي، والذي بدوره ينعكس سلبًا على الصحة العقلية والجسدية للطلاب وكذلك الآباء والأمهات ما يجعلهم يتنازلون عن المبادئ الأخلاقية العامة أو أنهم يعيدون تعريفها بما يناسب ظروفهم وظروف أبنائهم! هذا الواقع يجعل من الاهمية بمكان إعادة التفكير بالأساليب التقليدية للامتحانات ونتائجها، بل وبالعملية التعليمية برمتها بدءا من المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية، ولذلك لا بد من إعادة التوازن والتركيز على النمو الشامل للتغلب على عقدة التفوق في الامتحانات، بما يحتم على الطلاب والأسر والمدارس إعادة تقييم الأولويات. فبدلاً من التركيز الحصري على النتائج، ينبغي التركيز على تحقيق النمو الشامل للطالب، بما في ذلك الجوانب الأكاديمية والشخصية والإبداعية. وهذا يتطلب تشجيع الطلاب على التعلم لأجل المعرفة، واكتساب مهارات الحياة العملية، والمشاركة في أنشطة متنوعة خارج الفصل الدراسي، وليس فقط الحصول على درجات عالية يمكن تحقيقها بإتقان عملية الغش مثلا! بهذه الطريقة، يمكن للطلاب تطوير شخصياتهم بشكل أكثر توازناً وتحقيق النجاح بطريقة أكثر استدامة وإشباعاً، وبالتأكيد لن «يضطر» الآباء عندها للغش والتغشيش!