17 سبتمبر 2025
تسجيلوالله لم تبالغ إحدى المدونات حينما افتخرت بجهود دولتها لحماية لغة الأمة فقالت: "كفى قطر شرفًا أنها تعتني بلغة القرآن، ولبّت نداء رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: "أَحِبُّوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآنُ عربي وكلامُ أهل الجنة عربي". تذكرت هذه التدوينة حين سمعت الإعلان عن جائزة الشيخ حمد للترجمة يتكرر مرات على وسائل الإعلام المحلية والعربية وحتى العالمية معتزا شخصيا بأن هذه الجائزة منذ تأسيسها أثرت المكتبة العربية بأكثر من ثلاثين عملا أكاديميا وأدبيا وعلميا نقلته نخبة من المترجمين من لغاته الأصلية إلى العربية لتكون جميعها كنزاً لرواد المكتبات والباحثين تفتح في وجوههم هذه الأعمال المختارة أبواب معرفة ثقافات العالم. ولا ننسى أن قطر ضمنت في دستورها التزام الدولة بحماية لغة الأمة ونشرها كلغة علم وحضارة والعمل على إشعاعها في العالم، ونتذكر الحدث الأكبر في هذا المجال حين أطلق سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في ديسمبر 2018، البوابة الإلكترونيّة لمعجم الدوحة التاريخيّ للغة العربيّة، في حفل دعا إليه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بحضور نخبةٍ من الأكاديميّين وعلماء اللغة العربيّة الذين حضروا من أنحاء العالم للمشاركة في هذا الحدث المفصليّ في تاريخ الثقافة العربية مما يؤكد أنّ تبنّي الدوحة مشروع المعجم التاريخي للغة العربيّة ورعايتها له يمثِّل الأمّة العربية ويظهر حرص قطر على تعزيز هويتها من خلال النهوض بلغتها التي هي رمز كيانها. وكما أكد الزميل د. علي أحمد الكبيسي فإنّ معجم الدوحة يُعدُّ نقلةً نوعيّة في خدمة اللغة العربيّة، وهو أوّل محاولة عربية ناجحة لتأسيس وجرد تاريخ للغة الأمّة، وقال من جهته د. عزمي بشارة المدير العام لمشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، في كلمةٍ ألقاها خلال الحفل، إنّ هذا المشروع العظيم والحدث التاريخي لإطلاقه لم يكن ليرى النور لولا الإيمان بالعمل العربي المشترك والكفاءات العربية فكُتب له النجاح بواسطة التعاون بين العلماء والهيئات التنفيذية والخبرات الحاسوبية، وذلك بعد أن توقفت مبادرات أخرى لوضع معجمٍ تاريخي للغة العربية في منتصف الطريق في السنوات الماضية، كما تم التنويه في الافتتاح بالإنجازات التي حققتها مشاريع سابقة بدءاً بإنشاء مجمع اللغة العربية في مصر عام 1932، ومساهمة المستشرق الألماني أوغست فيشر الذي سعى إلى تسجيل تطور اللغة العربية حتى عام 300 للهجرة، وجاءت بعده محاولات أخرى، منها عمل الشيخ عبدالله العلايلي في لبنان، ومحاولات البدء بجمع شواهدَ في المشروع التونسي للمعجم التاريخي العربي الذي نجح في جمع شواهدَ من 90 شاعرًا جاهليًّا من عام 200 إلى 609 للميلاد، ومحاولة اتحاد المجامع اللغوية والعلميّة العربية، إذ عُقدت عدّة ندوات وشُرع في اختيار المصادر الأساسية والثانوية للمدونة وهي جهود مقدرة بالتأكيد غير أن هذه الجهود مع ما حققته لم تصل فعلًا إلى إصدار معجم تاريخي للّغة العربية ويئس اللغويون العرب من تحقيق حلمهم، إلى أن تبنّى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الفكرة وطرحها في عام 2012 على صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي كان حينها ولياً للعهد، فتحمس لها وساندها منذ بداية العمل. وأضاف بشارة قائلًا: "لسنا أصحاب الفكرة ولكنّنا نحن الذين امتلكنا الجرأة على بناء هذا المركب والإبحار به في بحر تاريخ اللغة العربية، وأثبتنا بالمنهج العلمي والمهارات الإدارية والعمل الجماعي الممأسس، في المجلس العلمي والهيئة التنفيذية وفرق المعالجة المعجمية، أنها ممكنة التنفيذ". واستطرد بالقول: "عَلِمنا أنّ المسلكَ وعرٌ، والمهمةَ معقدة دونها مشقاتٌ أدركنا بعضَها وجهلنا غيرَها في تلك المرحلة، ولكن الرؤيةَ والعزيمةَ توافرتَا، وتوافرت الرعايةُ الكريمة والمتفهمة التي منحتها للمشروع قيادة قطرية صاحبة رؤية. وتوافرت الثقة بالقدرات والكفاءات العربية والعمل الجماعي الممأسس، وتسخير التقنيات الحاسوبية على نحوٍ غير مسبوق، وتطوير ما لم يتوافر منها في خدمة العربية وساهمت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع من جهتها بقسط كبير في هذه المجهودات تحت رعاية صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، حين أولت المؤسسة اهتماماً خاصاً للغة العربية، نظراً لأهميتها في صون هوية الإنسان القطري، والحفاظ على التقاليد والتراث، كنقطة انطلاق نحو بناء غد مشرق. ومن هذا المنطلق أطلقت مؤسسة قطر باقة متنوعة من المبادرات الهادفة التي صُممت بعناية، لمعالجة أوجه القصور والخلل التي تحول دون مسايرة اللغة العربية للعصر، حيث يسود استخدام الإنترنت والحاسوب على نطاق واسع خلال أداء معظم الأعمال المكتبية والعلمية والثقافية. ويُعد منتدى النهوض باللغة العربية في دوراته العديدة التي نظمتها المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية مؤخراً، إحدى مبادرات مؤسسة قطر الرامية لتعزيز مكانة لغة الضاد. وجمع المنتدى في نسخته الثانية ما يزيد على 300 خبير وباحث في مجالات التربية وتعليم اللغة العربية، من أجل مناقشة تحديات التنشئة اللغوية للطفل العربي. واختتم المنتدى أعماله بتقديم العديد من التوصيات المهمة، ومنها إصدار مدونة حديثة للرصيد اللغوي الأساسي لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وإعداد قواميس لغوية مصورة للأطفال، وتفعيل دور الأسرة في اكتساب الطفل اللغة الفصحى. وتعزيزاً لالتزام مؤسسة قطر بترسيخ مكانة اللغة العربية، تؤدي مراكز المؤسسة وهيئاتها المختلفة دوراً كبيراً في تعزيز وضعية اللغة العربية وحمايتها. ويبرز في هذا المجال دور معهد قطر لبحوث الحوسبة، أحد المعاهد البحثية الثلاثة التابعة لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. ويلتزم المعهد بتقديم الدعم التقني لمعالجة التحديات التي تواجه اللغة العربية.. هذه نبذة من جهود عظيمة أصر حضرة صاحب السمو أمير قطر حفظه الله على رعايتها وتنميتها من أجل لغة الضاد. [email protected]