03 نوفمبر 2025
تسجيلليت شعري علام تتكبر أيها المتكبر؟ وليت شعري كيف تجهل قدر نفسك؟! وتغفل عن ضِعة شأنك! أغرّك ما عندك من نعم المال والجاه والعافية والقوة...إلخ، فدخل العُجْب نفسك، وأوهمك أنك خيرٌ من غيرك، تالله ما هذا إلا ظن إبليس، وقوله بلسانه:(أنا خيرٌ منه)، فلحقه الوَصْم، وكان جزاؤه أن يكون رجيماً لعينا، أفتُشبهه وتدخل معه في قول الرب جل وعلا:(إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).أم تظن أنك بعلو منزلتك، ووفرة غناك، قد فضلك الله على من سواك، ممن هو وضيع المنزلة، أسير الفقر، ضعيف الحال، وربما دفعك الغرور إلى مثل قول قارون: (قال إنما أُوتيته على علمٍ عندي)، الذي استحوذ عليه العُجْب والكبرياء، لكثرة كنوزه وأمواله، فبغى واستكبر على قومه، وازداد تيهاً وخيلاءً وفخرا، وأفسد في الأرض ما شاء أن يفسد، ولم يُحسن كما أحسن الله إليه، فكان مصيره ومصير كل معجب بنفسه، وبما عنده مما آتاه الله، وجزاؤه إما في الدنيا أو في الآخرة، ما قاله تعالى: (فخسفنا به وبداره الأرض).رويدك يا هذا، واستمع لقول الشاعر محمود سامي البارودي، رحمه الله:كيف يُدركُ ما في الغيبِ من حَدَثٍ من لم يزل بغرور العيشِ ينخدعُدهرٌ يَغُرُّ وآمالٌ تَسرُ وأعمـ ارٌ تَمرّ وأيام لها خِدَعُيا أيها السادِرُ المُزورُّ من صَلَفٍ مهلاً فإنك بالأيام منخدعُدعْ ما يَريبُ وخذ فيما خلقت له لعلَّ قلبك بالإيمان ينتفعُإنّ الحياة لثوبٌ سوف تَخْلعُه وكل ثوبٍ إذا ما رثّ ينخلعُألا إن الأمر كله بيد الله العزيز الحكيم، والبصير العليم، يعطي من يشاء فيبسط له ويُوسّع، ويقْدِرُ لمن يشاء ويضيّق، اختباراً وابتلاءً، لا تفضيلاً وإكراماً، أو استقلالاً وإهانة، وصدق الشاعر:وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ولكن أحاظٍ قسمت وجدودُوكائن رأينا من غنيٍ مذمّمٍ وصعلوك قومٍ مات وهو حميدُكائن وكأيّن: أي كم، التي تفيد الكثرة.ثَم سبب آخر يكون داعياً لنشأة الكِبر في نفس المتكبر، وهو سبب يعد بحد ذاته مثلبة، إلى جانب مثلبة الكبر، ليس بأدنى ضررٍ منه كثيراً، غير أنه عيبٌ نفسيّ لا خُلقي، ألا وهو الشعور بعقدة النقص، وهي شيءٌ نقيض نزعة التفوق، التي تقدمت آنفاً، وأصلها ضعفٌ وعجز ويأس، تُوهم الإنسان الناقص، أو من يشعر بالنقص، وهو ليس ناقصاً إلا عند الناس في نظرتهم إليه، أن في الكبر علاجا وسترا لمظنة ما فيه من نقص، وهيهات له هذا، وما أصدق مقالة ابن المعتز في ذلك:(لمّا عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكبر، ليعظم صغيراً، ويرفع حقيراً، وليس بفاعل).ليست عقدة النقص أو غيرها ما يعيب المتكبر، ويغض منه وحدها، ولكن هناك شيئاٌ آخر له دليل إثبات على المتكبر من المتكبر نفسه، وهو تلبّس نفس المتكبر اللؤم والدناءة والخسة، عند من هو أعلى منه منزلة وقدراً، وذلك لأنه لا يكون متعالياً ومفاخراً إلا على من هو دونه، أفتراه يكون كذلك مع من هو فوقه؟ أم إنه يكون مستخذِيا منكمشاً مطأطئاً رأسه، كأنما قد سكنت نفسَه روحُ كلبٍ جاثٍ عند قدمي صاحبه، أرأيتم ألأم وأسوأ فعلاً وصورةً من هذا، قال بعض الحكماء:(ما رأيت أحداً تكبر على من دونه، إلا ابتلاه الله بالذلة لمن فوقه). نصائح في سطور، للمتكبر المغرور:ألا أيّهذا المتكبر، ويحك، خفّف خطوتك، وخفِّض هامتك، فما أنت إلا جيفةٌ قذرة منتنةٌ باعتبار ما سيكون، ستطؤها الأقدام بأحذيتها، (فما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد).واعلم أنك ضعيف صغير، مهما خيّلت لك نفسك والشيطان غير ذلك، فإن ظهرت بخلاف حقيقة ذاتك، كيف بعيشك تطيق رؤيتك العيون، وتحتمل منظرك؟ لا شك أنه يشقُّ عليها أكثر من رؤية الضُر، كما قال المتنبي:وإني رأيت الضُرّ أحسنَ منظراً وأهونَ من مرأى صغيرٍ به كِبرُواحذر عقاب يوم الدين، جزاءً وفاقاً على تكبرك، الذي جاء في الحديث:(يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يطؤهم الناس لهوانهم على الله عز وجل).واستمع يرحمك الله بوعيٍ وانتباه، إلى الحديث الشريف:(من تواضع لله درجة، رفعه الله درجة، حتى يجعله في عليين، ومن تكبر درجة، وضعه الله درجة، حتى يجعله في أسفل سافلين)، والأمر بعدُ كما قال الحكيم:ليس التطاولُ رافعاً من جاهلٍ وكذا التواضعُ لا يضُرُّ بعاقلِواستحضر دائماً وأبداً، بل ليكن منقوشاً على قلبك، أنْ (لا فَضْلَ لعربيٍ على عجمي، ولا لعجميٍ على عربي، ولا لأسود على أبيض، إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، الناس من آدم وآدم من تراب).أختم مقالتي بحكمة الشافعي، الذي قال:(أرفع الناس قدراً، من لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلاً، من لا يرى فضله).