30 أكتوبر 2025
تسجيلتأتي البركات والنفحات في رمضان كثيرة وسريعة وكنز للحسنات والخيرات، ففي ليالي الوتر من العشر الأواخر يمنُّ الله علينا بمنحة إلهية سنوية فيها بركات وخيرات لا يحصيها إلا الله، قيام ليلها يعدل عبادة ثلاثة وثمانين عامًا وثلاثة أشهر تقريبًا هي ليلة مباركة خير من ألف شهر، إنها ليلة القدر، منحة سنوية لا تأتي إلا كلَّ عام مرة واحدة، ليلة واحدة في شهر الصوم وشهر القرآن، فما أسرع وقت هذه المنحة وما أنفسه من وقت؟! فيجب علينا الحرص على قيام العشر الأواخر من رمضان، ولو أن نضطر إلى تأجيل الأعمال الدنيوية، فلعلنا ندرك ونحظى بقيام ليلة القدر، فإن قيامك فيها تجارة عظيمة لا تُعوَّض. فقيام ليلة القدر أفضل عند الله من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك لقوله تبارك وتعالى ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) فلو أصاب مسلم ليلة القدر فقامها لمدة عشرين سنة فإنه يُكتَب له بإذن الله ثواب يزيد على من عبد الله ألفًا وستمائة وستة وستين سنة. أليس هذا عمرا إضافيًّا طويلا يُسجَّل في صحيفتك لا تحلم أن يتحقق لك فتقوم به في الواقع؟! فلنجتهد جميعا في هذه العشرة المباركة طلبًا من الله أن يوفقنا لقيام ليلة القدر، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها بالصلاة والقراءة والدعاء، فروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ». ولأحمد ومسلم: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا». لقد حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على قيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وهذا الحديث يدل على مشروعية إحيائها بالقيام. ولنحرص على الإكثار من الدعاء فيها والتضرع إلى الله أن يرزقنا الخير في الدنيا والآخرة. ومن أفضل الأدعية المأثورة التي تقال في ليلة القدر ما علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها، فروى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي». ومع هذا الفضل العظيم لتلك الليلة للأسف قد نرى كثيرًا من الرجال والنساء حرموا أنفسهم من هذا الخير وتقاعسوا عن قيام ليالي رمضان خصوصًا العشر الأخيرة منها. فتراهم يمضون ليلهم إما في الأسواق، أو في مجالس سمر، أو أمام الشاشات، أو منهمكين في حل الفوازير، بينما كانت بيوت السلف رحمهم الله تعالى ومساجدهم تحيا في ليالي رمضان بالطاعة والذكر والصلاة، بل وُجِد من الناس اليوم مَن أحيوا أسواقهم بالتجوُّل فيها من أول يوم من رمضان إلى نهايته، استعدادًا ليوم العيد كما زعموا، فتنقضي أعمارهم عبثًا، وقد قَلَّتْ حسناتُهم وضاعت منهم أوقات المِنَح الطيبة، ولا حول ولا قوة بالله. وتأتي أهمية قيام ليلة القدر أنها ليلة يُحدَّد فيها مصير مستقبلك لعام قادم ففيها تُنسَخ الآجال، وفيها يُفرَق كل أمر حكيم. فاحرص أن تكون فيها ذاكرًا لله ومُسبِّحًا له، أو قارئًا للقرآن، أو قانتًا لله، تسأله السعادة في الدنيا والآخرة، وإياك أن تكون فيها في مواطن الغفلة، كالأسواق، ومدن الملاهي، ومجالس اللغو، فيفوتك خير كثير. ومن علامات تلك الليلة العظيمة: • قوَّة النور والإضاءة فيها، علمًا أنَّه لا يمكن الإحساس بها في وقتنا الحاضر إلا مَن كان في البرِّ بعيدًا عن الأضواء. • طمأنينة القلب، والشعور بالراحة في تلك الليلة مقارنةً بغيرها من الليالي. • سكون الرياح، واعتدال الجو، حيث لا تأتي فيها عواصف، أو حرٌّ شديد. الحلم بليلة القدر وموعدها. • الشعور بلذة العبادة في قيام الليل فيها مقارنة بالليالي الأخرى. • شروق الشمس بلا شعاع في صبيحة اليوم التالي، حيث قال أُبَي بن كعب رضي الله عنه إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ، لَا شُعَاعَ لَهَا» رواه مسلم. • خروج القمر فيها مثل شق جفنة • غياب الشهب فيها، حيث لا يُرمَى فيها بنجم. اللهم وفِّقنا جميعًا لقيامها، وارزقنا فيها خير الأقدار وأفضل الآجال وأنفع الأعمال.