11 سبتمبر 2025
تسجيلفي 20 ديسمبر الماضي كان عنوان مقالي «يا شعوب العالم اتحدوا». حذرت فيه من أن ما يُفعل بأهل غزة سيكون مصير كل الشعوب في أي مكان تتحكم فيه النخب الرأسمالية الغربية، «أعداء الإنسانية»، متى خالفوهم الرأي. وها نحن بعد نحو 4 شهور، ينتفض طلاب الجامعات في أمريكا ودول أخرى، دفاعا عن الإنسانية في ضوء ما يتعرض له قطاع غزة من إبادة جماعية، فيقابلها أعداء الإنسانية بالقمع والاعتقال ومصادرة الحريات. والاختلاف الوحيد هو فقط في حجم ونوعية الاعتداءات، التي ترتكبها «مليشيات» حكومات تلك الدول المسماة بالشرطة، والتي ستزداد حتما مع تزايد واتساع حجم ونوعية الاحتجاجات. وهم لن يتورعوا عن سحل وقتل الطلاب كما فعلوا من قبل خلال الاحتجاجات الطلابية على حرب فيتنام. فضمن سلسلة طويلة من الاعتداءات قتلت قوات الحرس الوطني بولاية أوهايو أربعة طلاب وأصابت آخرين فيما عرف بـ»مذبحة مدينة كينيت» عام 1970. لكن ذلك لم يمر دون ثمن فقد أدت تلكم المذبحة إلى اتساع الاضرابات وانتشار الاحتجاجات التي لم تنته إلا بوقف حرب فيتنام وتفجر فضيحة ووتر جيت التي أدت لاستقالة الرئيس الأسبق نيكسون نتيجة لجوئه لإجراءات غير قانونية لقمع قادة الحركة الطلابية. لكن موقفا حازما من جون إدغار هوفر، رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) آنذاك أحبط مساعي نيكسون، بل كان السبب المباشر في فضحه واستقالته استباقا أن يعزله الكونجرس. وقد ظهرت هذه القصة في فيلم مهم بعنوان «مارك فيلت» من بطولة ليام نيسون الذي أدى دور هوفر وكان يطلق عليه لقب «الصوت العميق» نظرا لأنه كان يسرب المعلومات عن تحركات نيكسون غير القانونية. وكان من أبرز الشعارات التي ظهرت خلال تلك الاحتجاجات، التي كانت دموية في بعض الأحيان، شعار تبناه طلاب جامعة نيويورك يقول «إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا». وكانت هذه هي كلمة السر في توحيد صفوف الطلاب. وفي مواجهة الاحتجاجات التي وصفها كاتب خطابات نيكسون آنذاك ريموند برايس بـ»الحرب الأهلية» بدأت آلة الإعلام الصهيونية يوجهها نيكسون ذاته، في تشويه المحتجين باتهامهم بأنهم عملاء للشيوعية، وكانت تلك هي التهمة التي يوجهونها لمن يخالفهم الرأي آنذاك، واستبدلوها الآن بما يسمى»معاداة السامية». وتم حينها استدعاء الجيش للتدخل، ونقل الرئيس إلى مكان آمن، لدرجة أن مستشاره تشارلز كولسون الذي أوصله للرئاسة وكان يوصف بأنه «بلطجي نيكسون»، قال بالحرف «لا يمكن أن تكون هذه هي الولايات المتحدة.. لا يمكن أن تكون هذه أعظم ديمقراطية في العالم. هذه أمة في حالة حرب مع نفسها». لكن،،، بعد أن انتهت الحرب واستقال نيكسون عادت الأمور لما كانت عليه وخضع الناس طلابا وغير طلاب لحكم أعداء الإنسانية من جديد. آنذاك لم ينكشف الغطاء بالكامل عن الوجه القبيح للصهيونية العالمية. لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا في شقين أساسيين، الأول أن المحتجين يثورون ضد مسألة تبدو ظاهريا لكثيرين شأنا خارجيا (دعم غزة) وليس قضية أمريكية داخلية وهو ما يمنح الاحتجاج أهمية أكبر. لكن الذي لا يريد أن يفهمه أو ربما أن يعترف به أعداء الإنسانية هو أن الطلاب يثورون الآن من أجل أنفسهم وشعوبهم، قبل غزة التي أظهرت أن الجميع في خندق واحد، كما ذكرت سابقا، وهذا يقودنا إلى الشق المهم الثاني وهو أن الاحتجاجات موجهة صراحة ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية أيا كان من يقف وراءها. لقد استفاق الطلاب، وقليل من الأساتذة، كما كان الحال في مفاصل تاريخية كثيرة، على ما لم يدركوه بدرجة كافية وقت حرب فيتنام، وهو أن من يحكمونهم يشكلون «عصابة» واحدة مع من يقتلون الأبرياء في غزة. (انظر مقال ياعزيزي كلهم لصوص). ولكن لماذا الطلاب هم دائما أو في أغلب الأحيان من يقود مسيرة الثورة على الطغيان. والإجابة ببساطة هي لأنهم الأقل خضوعا لاستعباد أصحاب رأس المال. فالموظفون عبيد وظائفهم والتجار ورجال الأعمال عبيد مصالحهم التي يتحكم فيها أعداء الإنسانية بعدما احتكروا كل شيء تقريبا من تجارة وصناعة بكل أشكالها بما في ذلك الرياضة والفن. ولايكاد يكون هناك استثناء وحيد من حالة العبودية الحديثة تلك التي تحدث عنها كثيرون من قبل، من عباس العقاد ومقاله «الاستخدام رق القرن العشرين» الذي نشره بعد استقالته من وظيفته الحكومية، قبل نحو 100 عام، إلى باتريسيا ديلبيانو وكتابها «العبودية في العصر الحديث» (2011)، حيث تحدثت عن عبودية الوظيفة وسمتها العبودية التعاقدية أو العبودية بالأجر، وهو ما تحدث عنه أيضا المفكر اليهودي نعوم تشومسكي المتمرد على الصهيونية. ويتعلق مباشرة بالحرية النسبية التي يتمتع بها الطلاب مقارنة ببقية طبقات المجتمع أنهم الأكثر قربا وتمكنا من متابعة الأحداث بحكم الترابط والتنظيم الذي توفره مقار الدراسة، وتعززه وسائل التواصل الاجتماعي، (انظر مقال «عندما ينقلب السحر على الساحر»). على أن جميع من تحدثوا عن العبودية الحديثة لم يصيبوا قلب الحقيقية وإن اقتربوا منها كثيرا فالعبودية الحديثة تظل محكومة أو مرهونة بعامل آخر، يترافق مع «الأجر المضبوط» بحيث يكون، وباستثناءات قليلة، بمثابة السلسلة في يد صاحب العمل ورقبة الموظف. ذلك العامل الآخر هو «الرصاصة»، التي غيرت تفاصيل العقد الاجتماعي منذ اختراعها، وفي هذا حديث آخر. لكن حتى ذلك الحين، دعونا نردد معا إن «الوحدة تحمينا»، و»إنهم لن يستطيعوا أن يقتلونا جميعا». فهذا هو الشعار الذي يجب أن ترفعه الشعوب قبل فوات الأوان، وهذا هو ثمن الحرية، فمن لم يكن مستعدا للموت فلا يتحدث عن الحرية، كما قال مالكوم إكس.