11 سبتمبر 2025
تسجيلهل فقدت صديقاً في الآونة الأخيرة وما زلت تشعر بألم يشق روحك بسبب ذلك؟، هل حملت نفسك بسبب ذلك فوق ما تحمل، ووضع وزر ما حدث على عاتقك وحدك؟، هل حاولت تحت وطأة شعورك بالألم وتأنيب الضمير المفتعل استعادة صداقة تعرف تماماً أنها انتقلت إلى رحمة الله. كثيرون يشعرون بهذا الشعور الموجع والقاتل أحيانا، عندما يدركون أنهم فقدوا صديقا ما، وأنا منهم الى ما قبل سنوات قليلة جدا. ولأنني كنت أقترب من تقديس فكرة الصداقة وأعتبرها أسمى العلاقات البشرية التي يمكن أن يحظى بها المرء في حياته على الإطلاق، فقد كان فقدان صديق بالنسبة لي بمثابة الموت البطيء. لكنني، ببساطة شديدة، تغيرت لقد أصبحت أكثر تقبلا لفكرة فقدان الأصدقاء، وأكثر قدرة على التعامل مع هذه الفكرة برضا وقناعة ناتجين عن وصولي إلى قناعة تقول إن الصداقة أكثر علاقاتنا سلاسة لأنها علاقة قائمة أساسا على الحرية بين الطرفين، فنحن أحرار تماما في اختيار الأصدقاء، ولا يمكن لأحد أو لظرف ما أن يفرض علينا صداقة لا نريدها مثلا. وحتى أولئك المضطرون لنوع معين من العلاقات مع آخرين يسمونها صداقة وهم يعلمون تماما أنها ليست كذلك، وعندما أتذكر بيت المتنبي الشهير في الصداقة الاضطرارية: «ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى / عدوا له ما من صداقته بد»، أنحاز في تفسيره وقراءته لرأي طه حسين الذي كان يتمنى لو أن المتنبي استبدل بكملة «صداقته»، كلمة أخرى أصدق في محلها بالسياق وهي «مداراته»، لأن الصداقة لا تفرض أبدا، فهي خيار حر، وهذه الحرية في توصيفها هي ما تعطيها معناها الحقيقي. ورغم أن الصداقات عادة ما تبدأ بشكل عفوي ومن دون تحضير مسبق لها، وأننا غالبا لا نتذكر كيف بدأت علاقتنا مع شخص ما تتحول إلى صداقة من النوع الحقيقي، إلا أن استمرارها وبقاءها على قيد الحياة بين الطرفين يحتاج إلى إدارة تعتمد على التواصل الفعّال والذي هو أساس أي علاقة صحية، والصداقات ليست استثناءً. عند إدارة صداقة، من المهم التواصل بصراحة وبشفافية وبوضوح مع أصدقائنا دائما، وهذا يعني أن نكون مستعدين للحديث عن المواضيع الصعبة بيننا ومعالجتها عندما تنشأ، وتجنب الصراع الذي يمكن أن يتطور عشوائيا ليؤدي إلى سوء التفاهم وبما يضر بالصداقة على المدى الطويل. كما أن الانتباه للحدود الدقيقة، والتي قد لا يلاحظها الآخرون بين الصديقين أمر أساسي عند إدارة الصداقة بما يضمن استمراريتها ويساعد في الحفاظ على توازن صحي في الصداقة ويضمن مساحة مريحة للصديقين. ولا شك أن الدعم المتبادل يعتبر جزءا حيويا من إدارة الصداقة، سواء أكان صديقك يمر بوقت عصيب أو يحتفل بالنجاح. وعلى الرغم من أن كثيرين يهملون مثل هذه اللفتات المهمة باعتبارها شيئا ثانويا في علاقة متينة فإن أي علاقة متينة يمكن أن تتآكل إن لم تجد ما يغذيها بما تحتاج من وقود للاستمرارية والبقاء. وفي إطار الدعم المتبادل بين الصديقين يمكن أن ندرج ضرورة احترام الاختلافات الفكرية والرحمة والحب والتغاضي ومرونة التعامل بينهما والصبر على كثير من الهفوات والأخطاء التي يمكن احتمالها وبما لا يخل بمبدأ الإخلاص. أما الثقة فهي العنصر الأساسي الذي تقوم عليه الصداقات العظيمة بين الناس على مدى التاريخ كله، ولا يمكن لصداقة أن تستمر مهما بذل طرفاها من العطاءات المتبادلة، إن فقد أحدهما ثقته بالآخر. أما إن تحققت كل تلك العناصر في إدارتك لعلاقة صداقة ما، وفقدتها فجأة، فهذا يعني أن عمرها قد انتهى ولا ينبغي عليك أن تقتل نفسك في سبيل استعادتها، أو على الأقل أن تضحي بدمعة واحدة من دموعك حزنا عليها. امض لشأنك واترك صديقا لم يقدر صداقتك كي يندم عليها، إن آن الأوان حتماً، لوحده.