14 سبتمبر 2025
تسجيلرياض قطر.. مرابع الأجداد والارتباط الوجداني مع نهاية موسم التخييم والربيع لهذا العام، أعد هذه المراجعة التي أتناول فيها المخاطر التي تواجه البيئة البرية القطرية، والتحديات المترتبة على ذلك لمواجهتها من قبل الجهات المسؤولة عن حماية البيئة والمحافظة عليها وتنميتها. التعديات على رياض قطر والبيئة البرية لقد منَّ الله علينا هذا العام بأمطار خير وبركة عمت البلاد وفرح بها العباد ولله الحمد، لولا بعض المنغصات التي تكدر فرح أهالي المناطق البرية ومحبي البيئة القطرية، فهناك إشكالية متكررة مع كل موسم أمطار، تتمثل في التعدي على الرياض والمناطق المنبتة، من دهس وتجريف وعبث وسوء استخدام وتعامل يضر بها وببيئتها الطبيعية، وهذا يدل على إشكالية مستدامة في التعامل مع هذه الظاهرة. فتفشي الظواهر السلبية يعود لعوامل، منها: (أ) الجهل وقلة الوعي والتثقيف أو (ب) بدوافع تحقيق مكاسب، أو (ت) نظرا لضعف أو خلل على الجانب التنظيمي، يؤجج من ذلك كله ويفاقم من تفشي الظواهر السلبية، على الأخص: (1) ضعف القوانين، أو (2) ضعف تطبيقها أو (3) ضعف الرقابة، وأعتقد أن كل هذه العوامل متحقق في هذه الحالة. ولذلك الظواهر السلبية تتطلب سياسات استثنائية لمواجهتها؛ سياسات رادعة، وشاملة، ومستدامة، مع زخم تثقيفي كبير، لكسر تسلسل نقلها من جيل إلى آخر، للقضاء عليها أو إبقائها عند مستوى معقول. سياسات ردود أفعال ويلاحظ على الوزارات المتعاقبة، الميل إلى سياسات ردود الأفعال. فلا تتحرك إلا عندما تثار بعض التعديات على البيئة أثناء مواسم الأمطار والربيع من قبل بعض المواطنين في وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، وإن لم يثر شيء فلا ضير، وكأن ما يهم هو ما يقوله الناس أوما يثار في الرأي العام، أما أصل المشكلة، وهو التعديات والمخالفات البيئية، فهو يبدو في حد ذاته كأنه أمر ثانوي، لذلك سرعان ما ينتهي مفعول ردة الفعل وتعود التعديات والممارسات السلبية إلى سابق عهدها، وكأن شيئا لم يكن، وهو ما شهدناه بالفعل مؤخرا في هذا الموسم، فقد كانت هناك ردة فعل قوية ومؤقتة من وزارة البيئة والتغير المناخي لما أُثير في وسائل التواصل الاجتماعي من مخالفات بعد سقوط الأمطار وأتت بنتائج جيدة ولكنها كانت مؤقتة وسرعان ما تبخر مفعولها، وعادت الناس للمخافات جهارا نهارا، فلا تكاد ترى روضة غنَّاء ولا رقعة خضراء إلا والمركبات في قلبها، تُجرف الأرض وتدهس العشب، وهناك من يشعل النار ويلوث ويشوه الطبيعة، ومناظر تستفز الغيورين، وتسوء الناظرين ولا تسرهم، وأقول ما هكذا ترسم ولا تمارس السياسات. ألا توجد سياسات واضحة ومستدامة، ويتم الإعلام بها، للتعامل مع هذه الظاهرة المتجددة القديمة؟ حتى يترسخ احترام القانون، والرقابة الذاتية في أذهان الناس، ويتعودوا عليها. إن التذبذب وعدم الوضوح والاستمرارية يفقد السياسات الجدية والمصداقية في نظر الجمهور، ويُفقِد القانون هيبته، ويأتي بنتائج عكسية. فكسر الظواهر السلبية يتطلب سياسات وقوانين استثنائية صارمة، وشاملة ومستدامة، حتى تفرض هيبة القانون. ارتباط وجداني رياض قطر ومرابع الاجداد ارتباط وجداني. والرياض، أو الروضات كما جاء في القرآن الكريم، هي جمع روضة، وهي أراضٍ منخفضة نسبياً، تراكمت بها ترسبات طينية بفعل سيول الأمطار عبر آلاف السنين وأصبحت كالأحواض الطينية الخصبة، ينمو بها السدر البري القطري، والسمر وغير ذلك من أشجار ونباتات، ومعظم أنواع الأعشاب في مواسم الأمطار والربيع، فتصبح مسطحات خضراء تسر الناظرين في محيط شبه صحراوي، وتشكل مراعي وموارد ومياهها عذبة. وقبل ذلك كانت هي مرابع الأجداد وشكلت موارد ومراعي وملاذا لهم ولحلالهم في أوقات الشتاء والصيف، عندما كانت ظروف الحياة قاسية، وارتبطت بوجدانهم وتاريخهم وتراثهم، ومسمياتها لها دلالات وتراث بحد ذاته، وبعضها ارتبط بأحداث تاريخية. وقد كان أهل قطر يخرجون إليها ويمكثون فيها في أوقات الشتاء والربيع، ويمارسون فيها حياتهم الطبيعية، فيقيمون فيها أفراحهم، ويولد فيها أبناؤهم، ويدفنون فيها موتاهم، ويحفرون فيها آبار المياه العذبة، ولكن كانوا أيضا شديدي الحرص على المحافظة عليها وحمايتها من العبث والاستهلاك الجائر، والدهس، والتجريف والتدمير والاحتطاب، وغير ذلك من سوء استخدام، وتكونت لديهم عادات وتقاليد متعارف عليها على ذلك، ولا يستطيع أحد مخالفتها، وورثها أبناؤهم وأجيالهم اللاحقة بعدهم، في محاولة للتمسك بها واتباعها كإرث ومورد يجب المحافظة عليه، وعلى ذلك أيضا بنيت قوانين حمايتها، وخرجت منها قوانين حماية البيئة البرية وتنميتها التي لا شك أنها بحاجة للتطوير والتطبيق، وهو تصرف منطقي حكيم، فهي إرث وتراث قطري أصيل، والاعتداء عليها يعد اعتداء على ذلك كله، وينم عن جهل أو عدم اهتمام أو ارتباط بها من المعتدي، وقصور من الجهة الرقابية المنظمة. فكيف لعاقل، ومن لديه ارتباط بالأرض، أن يدمر موردا يستفيد منه، ويفسد مكانا يحب ارتياده؟ ولا يوجد لرياض قطر مثيل في الجزيرة العربية، لا من حيث أحجامها ولا جمالها، فهي من الموارد الطبيعية النادرة التي تكونت عبر آلاف السنين وتجريفها وتدمير طبيعتها وبيئتها الجغرافية قد يلحق بها أضرارا بالغة لا يمكن تعويضها، لذلك يجب المحافظة عليها وتنميتها وإنزال عقوبات رادعة في سبيل تحقيق ذلك. ولمواجهة هذه المشكلة، سأتناول في الجزء الثاني من مقالي هذا، ما أعتقد أنه مسبباتها، من ضعف التثقيف والقوانين والرقابة.