14 سبتمبر 2025
تسجيلذكرت لأحد مقدمي برامج القنوات الاجنبية قبل انطلاق مونديال قطر، وهو يحاورني حول الانتقادات الغربية لقطر، سترى أفضل البطولات تنظيما في تاريخ كأس العالم، فقال لا يمكننا الحكم بذلك الآن، فلننتظر ونر. وقد ذكرت مع اشتداد حملات التشويه والهجمات العنصرية ضد قطر مع اقتراب البطولة أنه لا يجب أن يزعجنا ذلك كثيراً، فهي ستأتي بنتائج عكسية، فستجذب الانتباه والاهتمام أكثر بالبطولة وبقطر، وذلك ما كنا نبغي، وسيكشف ذلك زيف تلك الادعاءات، والصورة النمطية المشوهة التي يراد إلصاقها بالعرب والمسلمين، وستجذب أكثر نحو قيمنا وثقافتنا وحضارتنا وقضايانا، وهو ما حدث بالفعل. حرب ثقافية لم تكن هذه بطولة كسابقاتها، ولم تكن عادية أبداً، فقد حشد لإفشالها خصوم أقوياء، لإثبات أن قطر الصغيرة بحجمها، والفخورة بقيمها، والمستقلة بقرارها، غير مؤهلة لتنظيم هذه البطولة العالمية الكبيرة، حتى أن رئيس الفيفا السابق، نكص على عقبيه، نفاقاً، وحسناً فعل، فقد نجحت البطولة وخسر هو ومن راهن على فشلها، فما كان ينبغي لمنافق، نيل فضل ولا منة خلف نجاح بطولة قطر. كانت صراعا ثقافيا ولا أقول حضاريا، فلم أر في صراع الغرب حضارة. نعم كانت بطولة رياضية، ولكنها كانت أيضا حلبة صراع بين حق وباطل، بين الفضيلة والرذيلة، بين القيم والأخلاق، وبين البهيمية والإدمان والشذوذ، بين غرب مستعل يفرض انحرافه وانحلاله، وشرق يستذكر حضارته ويذود عن قيمه، ولكن الله غالب على أمره، فنظمت البطولة في قطر ونجحت بكل المقاييس، على المستوىين، التنظيمي، والقيمي. العالم يصوت لنموذج القيم والحضارة العربية الإسلامية في الدوحة فعلى المستوى التنظيمي، مكنت كفاءة البنى التحتية ووسائل الموصلات والأمن والنظام، الجماهير من حضور أكثر من مبارة في يوم واحد والتنقل بسلاسة وسلام ودون مشقة، وزاد حسن تعامل أهل قطر وقاطنيها مع زوارهم، حبا وتعلقا بها، وتقبلا لنموذجها القيمي والحضاري للبطولة. فكانت البطولة الأفضل تنظيما في تاريخ كأس العالم، بشهادة رئيس الفيفا وغيره من المنصفين. وحقيقة لم يفاجئني ذلك، فقد توقعته في ظل ما أنفقته قطر على تنظيم البطولة، وما تراكم لديها من خبرات سابقة، ولكن المثير للاهتمام، هو النموذج القيمي والحضاري الذي أصرت قطر على تقديم البطولة به، مع ما صاحبه من مخاطر بسحب البطولة، في ظل حملات التضليل والتحريض المغرضة ضد قطر، ولو لم تقدم البطولة بهذا النمط، لما تميزت على سابقاتها، ولربما أتى من ينظم مثل أو أفضل من قطر مستقبلا، فتبقى الميزة الحقيقية أن لهذه البطولة هدفا ورسالة أبعد من اللعب والمتعة، فهي تدعو إلى قيم وأخلاق أمة تحمل رسالة للبشرية، وكما أطلق عليها سمو الأمير مبكرا "بطولة العرب"، فكانت بالضرورة يجب أن تعكس أخلاقهم وقيمهم العربية، التي هي في الأساس إسلامية، فأصبحت بطولة للعرب وللمسلمين، بل ولشعوب الشرق والجنوب من دول العالم الثالث، والمنصفين من الغرب، وأصبحت كأنها تصويت عالمي على نموذج قطر، أو نموذج القيم والحضارة العربية الإسلامية مقابل نموذج الانحلال الغربي، وقد انتصر الأول بكل وضوح. وهنا أستذكر مقالاً نشر في مجلة The Nation الأمريكية الشهر الماضي للكاتبين كارون وليفي، يذكران فيه أن "الغرب قد فقد قيادته الكونية في الدوحة، أكثر من أي وقت مضى، فقد أعلن ذلك بوضوح بلايين البشر من سكان جنوب العالم في مونديال 2022، عندما حضروا وتابعوا وأعجبوا بالعرب، ولم يأبهوا بتحذيرات واتهامات الصحافة والساسة والمنظمات الحقوقية الغربية لقطر، التي أثبتت أنها قادرة على تحقيق أعظم نجاح تنظيمي للمونديال في التاريخ. وكذلك بدد رقي التعامل الرسمي والأمني، وكرم ولطف الشعوب العربية، وسماحة الدين الإسلامي، كل الصور النمطية لهذه المجتمعات والدول، وفضحت التغطيات الإعلامية الغربية تحيز وعنصرية وعجرفة الرجل الأبيض" وهذا ما ذكرناه مرارا وتكرارا قبل وأثناء البطولة. فعلى المستوى القيمي، لو لم يكن للبطولة من مكسب سوى التالي لكفى: دحر طوفان اللوطية، الذي يراد له اجتياح العالم، خصوصا الإسلامي الذي يشكل رأس حربة في مقاومتها وإظهار أن هناك من شعوب الأرض وعقلائها من لا يقبل بتطبيعها ونشرها، ويعيد نظر من أوشكوا من الغرب على التسليم بها بلا حول ولا قوة، وما من شك أن هذا الأمر مسيس، وخلفه من يخطط لهدم القيم، وإن بدا اندفاعاً عفوياً خلف الدفاع عن حقوق أقلية الشواذ كما يدعى. بر الوالدين والوفاء لهما، كما صوره المنتخب المغربي العربي المسلم، مقارنة بمن يحضر صديقته ويشرب المسكرات ووالداه في دور الرعاية. تعليم الأمم "المتحضرة" الطهارة، كما أطلق أحد مشاهير التواصل الاجتماعي الأوروبي على "الشطافة" أعظم اختراع بشري! فلم يخطر بخلد مخترعي الصواريخ العابرة للقارات والقنابل الهيدروجينية، أو بالأحرى لم تدفعهم الحاجة لهذه الفكرة البسيطة، ولكن ذات الأهمية البالغة لأداء إحدى أهم الوظائف الأساسية البشرية، وهي الطهارة أو النظافة الشخصية. وقد كان الفرنسيون يتنظفون بالأعشاب قبل اكتشاف المناديل الورقية، أما مكتشفها في أمريكا في أواسط القرن التاسع عشر، فقد نقش اسمه عليها من شدة فرحه. كشفت لمن لا يزال لديه شك من السذج، عنصرية الغرب ونفاقه ومعاييره المزدوجة، ومتاجرته بحقوق الإنسان، التي يبتز بها من لا يسير في تحقيق مصالحه ويغض الطرف عمن يحققها له، وإن كانوا مجرمي حرب، وأكثر الأمور استفزازاً، عندما تعطي العاهرة دروسا في العفة، فالغرب بسجله الاستعماري الذي نعلمه جيداً، وما بعد الاستعماري الذي نعايشه، إن كان في مستعمراته السابقة، أو في بلدانه، وما يمارسه من تفرقة عنصرية بين مواطنيه بناء على العرق والدين، وسوء معاملة المهاجرين واللاجئين، وخط أطفال المسلمين، غير مؤهل لإعطاء مواعظ في حقوق الإنسان. كشف زيف التطبيع مع الكيان الصهيوني ورفض الشعوب العربية له رغم مواقف حكوماتها، وأن فلسطين الجريحة لا تزال في وجدان الأمة، وهي أم قضاياها، فلا يكتمل فرح ولا نصر ولا تحرر دونها. كسر متلازمة المسكرات والبطولة، والتي هي مصدر معظم حالات الشغب والفوضى في الملاعب الأوروبية، لتصبح البطولة الأكثر أمنا وحضورا، والأفضل تنظيماً، وإزالة الاعتقاد المترسخ، بـ "لا بطولة بدون كحول"، كما ذكر لي أحد مقدمي برامج القنوات الأجنبية إنه لا يستطيع تخيل ذلك، فقلت تخيل البطولة بكحول، وقارن النتائج؟. اتهامنا بالتخلف والرجعية والإرهاب، لتخرج بطولتنا الأكثر أمنا وتحضرا، والأفضل قيما وأخلاقا. كسر احتكار الغرب وفرض هيمنته الثقافية لقد أثبتت قطر أنه بالإمكان تنظيم البطولة بنموذج مختلف عن النمط الغربي السائد، والمسلم بفرضه على بقية شعوب الأرض، حتى أتت بطولة قطر لتعيد النظر في ذلك، وتكسر احتكار الغرب، وفرض هيمنته الثقافية وانحلاله الأخلاقي من خلالها، وكأنها أصبحت أداة استعمارية، يتم من خلالها ابتزاز الدول واختراق سيادتها وسلخها من ثقافتها وقيمها وحضارتها، وإن سميت بطولة للعالم، فالمقصود بعالم، في قاموس الغرب هو "الغرب"، وللتخفيف قد يقال إن المقصود هو "العالم المتحضر، أو الديمقراطي". ونحن ندعو العالم للمقارنة وأخذ العبرة من تجربة قطر، وقد دعت بعض الصحف البريطانية وغيرها من المهتمين، لأخذ الدروس من تجربة قطر والاستعانة بها في تنظيم بطولات مماثلة، وأعتقد أنه بإمكان قطر تنظيم البطولة بعد فترة من الزمن لولا عنصرية الغرب.