15 سبتمبر 2025

تسجيل

عبادة السر

08 مايو 2019

الغاية من خلق الله تعالى سائرَ المخلوقات هي عبادته وتوحيده وشهادتهم له بالربوبية والألوهية.. وقد خصَّ الله من المخلوقات الإنس والجنَّ ليعبدوه قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. فأرسل إليهم الرّسل ليبيِّنوا لهم طريق الهدى ويصرفوهم عن طريق الضلال؛ قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ} [النحل: 36]. وأهل الإيمان والصلاح في حاجة مستمرة إلى المزيد من التّعلق بربِّهم وعبادته سرًّا وعلانيةً ليصلوا بعملهم مقام التّوفيق والسّداد في الدّارين، ولا يُصلحُ القلبَ إلا عبادة الله جلَّ جلاله، لأنَّ العبدَ أشدُّ حاجةً إليها من طعامه وشرابه. فالعبادة غذاء للروح وراحة لها من كل ما يُتعبها في الحياة، ويستغل الصالحون والصالحات مواسم الطاعات لتقوية عزيمتهم وليشحذوا هِمَّتهم في الزيادة من الطاعات والعبادات قربةً إلى ربهم أملًا منهم في القبول والنجاة والفلاح. ومن أجلِّ العبادات والطاعات في شهر رمضان عبادة السر، فعبادة السر وطاعة الله في الخلوات علامة التقوى والإيمان الصادق فزينة العبد في خلوته، وزاده من دنياه لآخرته، بها تفرج الكربات، وتَسمُوا الدرجات، وتُكفَّر السيئات. عبادة السر وطاعة الخفاء... لا تخرج إلا من قلب كريم قد ملأ حبُّ الله أرجاء روحه، وعمرت الرغبة فيما عند الله نفسه الصافية، فأنكر نفسه، وأخفى عمله، وتجرَّد لله يريد قبوله من مولاه، فما أجمل هذه النفوس الطيبة، والقلوب النقية، والنيات الصافية... التي تُخفي عن شمالها ما تنفق يمينها. عبادة السر دليل الصدق، وعنوان الإخلاص، وعلامة المحبة، وأثر الإيمان. عبادة السر وطاعة الخفاء... لا يستطيعها المنافقون، ولا يقوى عليها المراؤون، ولا يعرفها المدعون. يقول الحسن: «ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عملٍ يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا». ولعل الفُرص لعبادة السر في رمضان كثيرة ومتنوعة وسوق التجارة مع الله قائمة وأرباحها مضاعفة فلنبادر جميعًا بالفوز بالدرجات العُلى: نكثر من عبادة السر. قراءة القرآن وتدبره. التأدب بأدب القرآن. تنقية نفسك من شوائبها وضغائنها. الذكر والمداومة عليه نعمة فحاول جعله خبيئة صالحة لك عند الله. طاعة السر في رمضان أعظم أجرًا بلا شك؛ فاحرص على الصدقة الخفية. مساعدة الفقراء والمحتاجين دون أن نجرحهم ونكسر أعين صغارهم، ولا نشعرهم بالعوز والحاجة. يمكنك أن تساعدهم دون أن يشعروا هم أنفسهم بوجودك أوحتى معرفة شخصك أو اسمك. إذا أردت أن تُعرَف في السماء فعليك بطاعة الخفاء. لن ينفعنا ثناء الناس علينا بالخير وإنما ما ينفعنا هو قبول أعمالنا وأجورنا الصالحة عند الله؛ لذلك تعدُّ عبادة السر وطاعة الخفاء من أرجى الأعمال في القبول لخلوها من الرياء والسمعة فتكون بأعلى درجات الإخلاص. فلنجعل رمضان هذا العام بداية جديدة لكل مسلم مع عبادة السر وطاعة طيبة في الخفاء. اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل.