19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); فعلاً لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب - تراب القبر. أقول هذه العبارة، لمن يشكون من الزحمة المرورية في الدوحة، بسبب أشغال الطرق والجسور والأنفاق وقطار المترو، ولمن يهربون من الدوحة في غير الإجازات الصيفية، إلى دول مجاورة بحجة "تغيير هوا"، مع أن الهوا في دول الجوار "سيم سيم دوحة".قبل أعوام قليلة، سعيت للحصول على البطاقة الإلكترونية للدخول والخروج من المطار، وأدخل الموظف القطري المسؤول بياناتي في الكمبيوتر، ثم سألني: لك كم في قطر؟ فقلت له: قبل ميلادك بحوالي خمس أو وسبع سنوات، فنظر إليَّ وعلى وجهه ابتسامة تشوبها الدهشة، فسألته عن عمره، فقال كذا وعشرين سنة، فقلت له "أنا أقدم منك في قطر فعلا بست سنوات."عندما أتيت إلى قطر عام 1979، كانت الزوجة التي يقول لها زوجها إنه وجد مسكنا جميلا في منطقة السد، تصيح: وديني بيت أبوي، ذلك أن معظم البيوت مكتملة البناء لم تكن مأهولة، وبين كل مجموعة من البيوت، كانت هناك أرض فضاء بها حفريات تدل على "نية" البناء، ولو قررت اجتياز السد ليلا متجها إلى مدينة خليفة بسيارتك، كنت ستجد نفسك تهمهم بآية الكرسي حتى لو لم تكن مسلما، لأنك ستعبر بأرض خلاء، يغلفها ظلام سميك كالضباب.في أواخر السبعينيات كانت "الدفنة" مجرد مشروع، والكورنيش كومة من الصخور تفتقر إلى إسمنت يلم شتاتها، وكان مسرح قطر الوطني أصلا مبنى وزارة الإعلام، وأثناء تشييده صار مائلا مثل برج بيزا، واستغرق علاج الميلان بضعة أعوام، وحتى أواخر الثمانينيات، كنا نلتقط الصور أمام عمارة العبيدلي في شارع الشيخ سحيم بن حمد، بوصفها ناطحة السحاب الوحيدة في الدوحة.وعند افتتاح محلات العالم الجديد، عمت الفرحة في أوساط الدوحويين، وياما كشخت ببنطلونات وقمصان وساعة كاسيو بلاستيكية تعيش الواحدة منها ستة أشهر كاملة، وبعدها مفيش مشكلة، تشتري واحدة أخرى بستين ريالا، ثم جاءت محلات الشاهين، فاعتبرت طفرة في التجارة والتسوق، أما عند افتتاح المول عند دوار النادي الأهلي، فقد عرفنا أنواعا من الآيس كريم لم نكن قد سمعنا بها، ودار سينما صغيرة جعلتنا ننظر إلى سينما الخليج العتيقة بازدراء.وجيل الشباب المفتري الذي يطنطن بسبب ازدحام الشوارع، ويجد على بعد كل 500 متر فندقا أو مطعما يبيع طعاما يحمل أسماء مكسيكية وإيطالية وصينية، يستفزنا نحن الذين كان قمة الترف عندنا أن نشتري شاورما، أو شاي كرك أو فطائر الجبن، من مطاعم في الشوارع الخلفية في "السد"، ويستفزنا وهو يعبر عن حيرته عن "في أي المولات سأجد جيفنشي وليوناردو دافنشي وما أدري "وش ريتشي".أنا الذي شهدت الدوحة تتحول من مدينة صغيرة إلى متروبوليس (تعني المدينة الضخمة التي تكون مركزا للنشاط الثقافي والاقتصادي ونقطة عبور إلى مناطق إقليمية ودولية أخرى)، صرت غريبا فيها، وتوحشني أحياء الرميلة والجسرة ووادي السيل، وأم غويلينا واسلطة القديمة بنكهاتها التاريخية، ولكنني سعيد بأنني شهدت نقلات - أي نقلات الله يهدينا وإياك - طفرات بالزانة من سنة لأخرى.يا مفترين أنتم الذين تسابقون الريح في الطريق السريع، من دخان إلى المطارين القديم والجديد، لا تعرفون شيئا اسمه دوار مدماك، الذي ياما سبب الدوار لسائقي السيارات: تأتيه من أي اتجاه فتجد نفسك مرغما على الوقوف قبالته ما بين 17 و23 دقيقة، وكان لي شرف نسف هذا الدوار، عندما هددت بلدية الدوحة، بأنني سأنشر إشاعة بأن لتنظيم القاعدة خلية في ذلك الدوار، لينسفه الأمريكان، فما كان من البلدية إلا أن دعتني لحفل جرف وتدمير الدوار، وتحويله إلى واحد من أكثر المعابر سلاسة على ثلاثة مستوياتأما الدوار المجنون، فقد لعب دورا كبيرا في تطفيش النساء من قيادة السيارات، لأن اجتيازه كان يقوم على التخمين ثم التوكل: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.نحن صبرنا ونلنا، وأنتم - بالمصري "أكلتوها والعة"، واصبروا كمان 3 سنوات وستحمدون الله أنكم كنتم شهودا على عصر جديد.