13 سبتمبر 2025
تسجيلإن الحق سبحانه وتعالى جعل البيوت سكنا يؤوى إليها أهلها تطمئن فيها نفوسهم ويأمنون على حرماتهم يستترون بها مما يؤذي الأعراض والنفوس يتخففون فيها من أعباء الحرص والحذر، فالنفس البشرية عميقة وتحتاج إلى جهود كبرى لفهمها والتوصل إلى المعاملة المثالية معها، فلقد أدرك الغرب أنه تقدم كثيرا في مجال المادة والتقنية والصناعة ولكنه فشل في إدراك أسرار هذه النفس البشرية التي حار الفلاسفة على مر العصور على فهمها وإدراكها، يشعر بعض الأشخاص المتزوجين من الرجال والنساء بالمرارة عندما يرون أنفسهم ناجحين في العمل ولكنهم فاشلون في البيت، وتجد الواحد منهم يزهو بنجاحه وإنجازاته في العمل وعلاقاته الخارجية وقدرته على تحمل مسؤولياته بينما لا يحقق النجاح في بيته، وهو بطريقة ما يحمل الطرف الآخر المسؤولية عن الفشل، إن الحرص على نجاح الحياة العائلية تفرض أن يكون لدى الإنسان القدرة على رمي هموم العمل ومشاغله قبل دخول المنزل، وقطع الاتصال قدر الإمكان عن أجواء العمل والتركيز على العائلة وهي قدرة لا يمتلكها الجميع، فتجد الشخص حاضرا بجسمه ولكنه غائب بذهنه.إن البيوت التي أسست أركانها على حب الدين والتقى يعمل افرادها على بث السعادة على من حولهم، فإن لها الأثر الذاتي والتكوين النفسي في تقويم السلوك الفردي وبعث الحياة والطمأنينة في نفس المرء،فمنها يتعلم الفرد ويكتسب بعض القيم والاتجاهات،وقد ساهمت الأسرة بطريق مباشر في بناء الحضارة الإنسانية وإقامة العلاقات التعاونية بين الناس ولها يرجع الفضل في تعلم الإنسان واكتساب المهارات والقيم وقواعد الآداب والأخلاق، فاضطراب الحياة المعاصرة وتشعباتها وتوترها وقلقها أديا إلى كوارث في هذه الحياة أولها انتشار الطلاق وهدم البيوت وتشريد الأطفال وتكوين أجيال من الشباب والفتيات الذين لم يعيشوا حياة أسرية مستقرة، فتوجه منهم من توجه إلى الجريمة بأنواعها والمخدرات وضياع الوقت، وبما أن البيوت هي الأساس الأول لهذا البناء الإنساني والنواة في المجتمع الإسلامي الذي ينمو وينشئ ويتعدد بها،وهي عماد المجتمع وقاعدة الحياة الإنسانية وإنها إذا أسست على دعائم راسخة من الدين والخلق والترابط الحميم فإنها تكون لبنة قوية في بنيان الأمة،لذا تعد من أهم المؤسسات الاجتماعية في اكتساب الأبناء لقيمهم، فهي التي تحدد لأبنائها ما ينبغي أن يكون من التمسك بالأخلاق والدين والتعامل مع الآخرين. فالعاقل هو الذي يحقق التوازن بين العمل والبيت حتى لا يطغى طرف على طرف فيحس المرء بالفشل في البيت والنجاح في العمل،فهذه الحالة تتكرر في بيوت كثيرة وفي مجتمعات مختلفة، والواضح أن الذي يرى نفسه ناجحا ويوجه لومه إلى الاخرين لا ينتبه إلى الفروق والاختلافات بين متطلبات النجاح خارج البيت وبين متطلباته داخله، ولا إلى نوع المهام وطبيعة المسؤوليات والعلاقات في العمل مقارنة بالبيت، فالالتزامات العاطفية في البيت أصعب منها في العمل، والمسؤوليات جسيمة تحتاج إلى مزيج من الحكمة ومعالجة الأمور بتؤدة وصبر والتفاني في حل المشاكل وتصويب الأخطاء وحسن التوجيه والرعاية فالعلاقات فيه تحتاج إلى الحذر والجهد المتواصل لتقويتها وتحسينها والمحافظة على إيجابيتها، بينما تفرض بيئة العمل نوعا من التفكير والجدية والتعامل بعيدا عن الذاتية والعواطف والحساسيات والمجاملة، فمسؤوليات البيت لا حد ولا نهاية لها فلا يمضي يوم إلا وهناك قائمة من الأعمال يحتاج إنجازها إلى صبر وطول بال وإيثار، أما العمل فيمكن أن تكون له محددات ونهايات كما أن المسؤوليات مشتركة بين عدد من الموظفين،وعندما يفتقد الشخص مهارة التخطيط والتعامل مع الوقت فإنه يعجز عن الوفاء بواجباته البيتية وذلك لأن بعض الأشخاص وخصوصا من الرجال يرون البيت مكانا للراحة والاسترخاء فقط لذلك تجدهم يتهربون من أي مشاركة في الأعمال والمسؤوليات المتعلقة بالأبناء أو متطلبات المنزل ومع الزمن ينقطع اتصالهم بشؤون العائلة واهتماماتها ومشكلاتها، ففشل بعض الناس في جوانب من حياتهم وعلاقاتهم الخاصة يدفعهم لبذل المزيد من الجهد والتفاني في العمل لتعويض ما يحسونه من فراغ وخسارة، علما من المفترض أن النجاح في العمل ينعكس على الحياة الأسرية، كلما كانت القيم سامية والعادات فاضلة والأمثلة سليمة تبعث في الإنسان الوعي،الإدراك والفكر والإبداع والاستقامة والهمة العالية،كلما قام ونهض وتقوم الفرد والمجتمع وتألق بين الأمم والمجتمعات يعطينا مؤشرات واضحة نحو أساليب اكتساب القيم والعادات عن بث روح المسؤولية واحترام القيم، وتعويد الأبناء على احترام الأنظمة الاجتماعية ومعايير السلوك فضلا عن المحافظة على حقوق الآخرين واستمرارية التواصل ونبذ السلوكيات الخاطئة لدى أبنائها، مثل التعصب الذي يعده البعض اتجاها نفسيا جامدا ومشحونا وانفعاليا، وكذلك ظواهر أخرى تعد محرمة دينيا أو التقرب منها يعد عدوانا على حقوق الغير، فلنحقق التوازن المثمر بين الإخلاص في العمل وحسن العشرة في البيوت.