11 سبتمبر 2025
تسجيلصحيح أنه لا تمكن المراهنة على شخص بعينه ليستمر في قيادة دولة أو تنظيم أو حركة للأبد. فذلك لا يتسق مع طبيعة الأمور أو منطق الأشياء ولكن من البديهي القول في حالة مثل حالة حركة المقاومة الإسلامية – حماس: إنها في حاجة إلى استمرار قيادة خالد مشعل -أبو الوليد – لها في اللحظة الراهنة وهو ما أصر عليه مجلس شورى الحركة وأعضاء مكتبها السياسي في اجتماعاتهم الأخيرة بالقاهرة والتي تابعتها عن بعد بفعل سريتها والحرص على إبعاد وسائل الإعلام عنها وذلك لمنع أي اختراق صهيوني لها وهو ما يفعله الكيان عادة مستغلا الغطاء الإعلامي. في يقيني أن مشعل كان صادقا في نيته عدم الترشح لمنصب رئيس المكتب السياسي للحركة وفق ما أعلنه قبل بضعة أشهر. وأظنه لم يطرح ذلك من قبيل المناورة، فأبو الوليد ليس من ذلك الصنف من السياسيين الذين يجيدون المناورات للوصول إلى هدف معين. فضلا عن طبيعته التي تتسم بقدر كبير من الشفافية مع الذات ومع الآخر وهو ما رصدته شخصيا طوال فترة إقامته في الدوحة بعد خروجه من الأردن في نهايات العام 1999 والتي امتدت نحو ثلاث سنوات وفي لقاءات عدة أجريتها معه لدى زياراته للعاصمة القطرية بعد ذلك. وتتجلى حاجة حماس لأبو الوليد في المرحلة الراهنة من عدة زوايا، الأولى أنه بات يمتلك درجة عالية من النضج السياسي والفكري على نحو مكنه من تجاوز الإطار الأيدولوجي الجامد مما يوفر له إمكانية امتلاك جرأة أكثر على اقتحام المعضلات المحيطة بالوضعية الخاصة التي تتحرك فيها الحركة ويبعدها عن ارتباطات أضرت بها في بعض الأحيان وإن كانت ضرورية في وقتها عندما كان ثمة توافق في الرؤية والأهداف والمسارات. أما الزاوية الثانية فتتمثل في أن مشعل يمتلك خاصية رجل الدولة رغم أنه رئيس لحركة تحرر وطني. وذلك يعني أن لديه قدرة على البحث في البدائل التي تمكنه من تحقيق أهداف الحركة وفق مرونة سياسية تتوافق مع الواقع المحيط إقليميا ودوليا دون الافتئات على الثوابت الوطنية التي تتمسك بها الحركة على المدى البعيد. أما ثالثا فإن مشعل يتمتع بشبكة علاقات خارجية واسعة ومع أطراف مؤثرة في المشهد الفلسطيني على وجه العموم وهو ما يجعله يتفرد بالحوار معها دون أي تداعيات سلبية على موقف الحركة أو توجهاتها، بل يستغل هذه العلاقات للمحافظة عليها بعيدا عن الشطط أو الغلو في المواقف. وأظن أن هذه الأطراف ومن بينها مصر وتركيا وقطر نصحته بألا يتخلى عن موقعه في الظرف الحالي دون أن يصل الأمر إلى حد ممارسة ضغوط عليه -حسبما تردد - فهو ليس من النوع الذي يقبل بالضغوط. حتى وإن كانت تصب في مصلحته شخصيا ومصلحة الحركة. رابعا: إن قضية المصالحة الوطنية وما يطرأ عليها من معوقات وعوامل تعطيل تتطلب شخصية تمتلك مساحة من الصبر والمثابرة ولا تتسرع في ردود الأفعال وهو ما يتوافر في أبو الوليد والذي تعاطى مع هذا الملف من منظور وطني يسعى إلى إنجازه وفق أسس قوية تجعل من عملية المصالحة صلبة وغير قابلة للكسر أو الاختراق فيما بعد ولاشك أن استمراره في موقعه على رأس المكتب السياسي لحماس سيكون عاملا إيجابيا للتسريع بعملية المصالحة والتي حظيت بدعم عربي قوي من خلال القرار الأخير الذي تبنته القمة العربية التي عقدت بالدوحة مؤخرا بعقد قمة عربية مصغرة لتحقيقها وفي هذا السياق ثمة أمنيات لدي أتوجه بها إلى أبو الوليد بعد إعادة انتخابه رئيسا لحركة حماس وذلك من منطلق المحبة له شخصيا وتقديرا للحركة التي أثبتت نفسها كرقم شديد الأهمية في المعادلة الفلسطينية وفي مسار حركة المقاومة ضد الكيان الصهيوني، أوجزها فيما يلي: *إن حماس حصلت بعد ثورات الربيع العربي على إسناد إضافي، خاصة من التيار الإسلامي بأجنحته المختلفة والذي وصل إلى السلطة في البلدان التي شهدت هذه الثورات بيد أن قوى وطنية أخرى وبالذات في مصر شعرت أن حماس تتجه إلى وضع كل أوراقها في سلة جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو أمر لا أعتقد أنه صحيح رغم التواصل الفكري والسياسي بين الحركة والجماعة مما يستوجب من مشعل وقيادات حماس التوجه إلى رموز هذه القوى وتصحيح هذه الصورة وتأكيد أن الحركة تقف من الجميع على مسافة واحدة محافظة على المحروسة واستقرارها وسعيا لإنجاح تجربتها الديمقراطية. *من الأهمية بمكان المبادرة بتصحيح ما بات يتردد بقوة من تورط حماس في مقتل 16 ضابطا وجنديا مصريا في نقطة حدودية مع رفح إلى حد أن إحدى المجلات المصرية القومية – الأهرام العربي - نشرت تقريرا طويلا قبل أسابيع عن هذا الأمر وبالأسماء. صحيح أن مشعل خلال مشاركته في ندوة القدس بالقاهرة يوم الخميس الفائت تساءل: هل كان بوسع الجيش والمخابرات المصرية السماح لنا بعقد اجتماعاتنا وإجراء انتخابات المكتب السياسي لحماس في القاهرة لو أن حماس هي من قتلت هؤلاء النفر من جند مصر؟ وهو تساؤل منطقي. بيد أن المسألة تتطلب المزيد من التوضيح والشرح وعلى أوسع نطاق بعيدا عن دائرة المتحدثين الرسميين لحماس في غزة أو في غيرها واستنادا إلى الأشكال الصحفية والإعلامية المختلفة والتواصل مع الجهات المصرية المعنية. * إنني أدرك المدى الذي تلتزم به حماس فيما يتعلق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية والإسلامية وقد أكده لي أبو الوليد غير مرة، لكن ثمة انطباعا يتردد بقوة في الآونة الأخيرة بأن هناك أجندة خفية لحماس آخذة في التبلور على نحو يتزامن مع صعود جماعات الإسلام السياسي وهو ما يتطلب صياغة إستراتيجية جديدة لدى قيادة الحركة تتوجه بالدرجة الأولى إلى النخب السياسية بمختلف اتجاهاتها ولوسائط الإعلام للتأكيد على تمسك حماس بهذا المبدأ الشديد الأهمية - عدم التدخل في شؤون الآخرين - في هذا التوقيت حتى لا تفقد الزخم الشعبي المساند لها بالذات في مصر. فقد ساءني شخصيا أن تتوجه مجموعات شبابية من المفترض أن تنتمي لثورة يناير للاحتجاج على لقاء مشعل مؤخرا مع الدكتور محمد بديع مرشد عام "الإخوان المسلمين" في مصر بمقر الجماعة بمنطقة المقطم. ولاشك أن بعض الدوائر تستغل العلاقة العضوية بين حماس والجماعة سعيا إلى التأثير على مصداقية حماس واعتبارها عنوانا سياسيا للجماعة في فلسطين، بينما هي في حقيقة الأمر حركة تحرر وطني تقوم على مرجعية إسلامية وذلك لا ينقص من قيمتها ولكن من الضروري الفصل بين الانتماء الأيدولوجي والارتباطات التي تحقق مصالح الحركة في ديمومة العلاقات مع كافة الأطراف المؤثرة في المشهد السياسي بدولة كبيرة بحجم مصر تشكل العمق الإستراتيجي لفلسطين بكل فصائلها الوطنية والإسلامية. السطر الأخير: مترقبا خروجي من وجعي لأسكن بخيمتك أكابد لوعة الصمت فدعيني أعبر المسافة أصوغ من رائحة وجدك قصيدتي ترقبيني مع النوارس الطالعة من البحر ومع بهاء الحقول بعينيك