17 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسات النقدية في عالم متغير

08 مايو 2011

تشير العديد من الدلائل إلى أن السياسات النقدية لمختلف البلدان والتكتلات الاقتصادية سوف تحتل المزيد من الأهمية في السنوات القادمة، إذ لا يقتصر ذلك على ما يسمى بحرب العملات فحسب، وإنما يشمل العديد من التوجهات التي يتم من خلالها زيادة التأثيرات النقدية في التنمية ورفع معدلات النمو من جهة وتحقيق مكاسب اقتصادية في العلاقات التجارية والاقتصادية الدولية من جهة أخرى. وليس من الضرورة بمكان أن يتم ذلك وفق نظرية "النقديين" التي تثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية والأكاديمية العالمية، وإنما هناك علاقة قوية بين هذا الاتجاه النقدي وبين التغيرات التي حدثت في العقود القليلة الماضية والتي تعززت من خلالها اقتصادات الخدمات والاتصالات والمعلومات والمعرفة، وذلك على حساب القطاعات الاقتصادية التقليدية. لقد جعل مثل هذا التحول من عملية النقد والتحويلات النقدية والمضاربات أمرا سهلا ومتداولا بسرعة شديدة بين قارات العالم، فالتحويلات يمكن أن تتم بين شرق الكرة الأرضية وغربها في غضون ثوان معدودة وفي لمح البصر في أي مكان من خلال الهاتف المتحرك. مثل هذا التحول المهم في العلاقات المالية أضفى على مؤسسات المال والنقد المزيد من الأعباء، بحيث أصبحت السياسات المالية والنقدية أدوات تحدد التوجهات الاقتصادية ومسارات النمو أكثر من أي وقت مضى، مما يفسر الأهمية الكبيرة التي توليها البلدان المتطورة لسياساتها النقدية والتي تحاول من خلالها تعزيز مواقعها في العلاقات الاقتصادية الدولية. من هنا أيضاً يمكن فهم جزء من الصورة التي تؤدي إلى تمسك البلدان الأوروبية، وبالأخص الكبيرة منها، كألمانيا وفرنسا بالعملة الأوروبية الموحدة رغم التحديات والأعباء التي تحملتها وتتحملها من جراء الالتزامات الهائلة المترتبة على الصعوبات المالية التي تتعرض لها شقيقاتها الأصغر في الاتحاد الأوروبي، كاليونان وأيرلندا والبرتغال. أما في البلدان النامية، فإن أمر السياسة النقدية يبدو أقل شأنا حتى الآن، وذلك إما بسبب الثقل الاقتصادي لهذه البلدان، وإما بسبب استمرار هيمنة القطاعات الاقتصادية التقليدية على النشاط الاقتصادي، إلا أنها في كل الأحوال تتأثر إما بالسياسات النقدية التي تتخذ في البلدان ذات الثقل الاقتصادي والعملات العالمية، وإما من خلال مؤسساتها النقدية التي تحاول مجاراة التحولات المالية والنقدية في الأسواق العالمية. وفي دول الخليج تبدو السياسات النقدية شبه مستقرة، إلا أنه يلزمها الكثير لتوائم تلك السياسات التحولات العالمية من جهة والتوجهات الاقتصادية لهذه البلدان ونموها السريع من جهة أخرى، وذلك في نطاق الإمكانات المتاحة للمصارف المركزية بصورة أساسية، حيث دخل حيز التنفيذ بداية الأسبوع الحالي على سبيل المثال قرار المصرف المركزي بالإمارات والخاص بالقروض ورسوم الخدمات والذي سيساهم إيجابيا في منح المزيد من التسهيلات الائتمانية وتقنينها. وفي هذا الشأن تلزم بعض المؤسسات المالية المشرفة على أسواق المال البنوك المساهمة بأن لا تتجاوز نسبة توزيع أرباحها السنوية %50 من إجمالي هذه الأرباح في خطوة ترمي إلى المحافظة على السيولة لدى البنوك بعد المخصصات الكبيرة للديون، إذ ربما يكون هذا التبرير مقبولا في الفترة السابقة، إلا أن الزمن قد تجاوزه، فالمخصصات تقلصت والسيولة لدى البنوك في زيادة مستمرة وأرباح البنوك الخليجية ارتفعت بصورة جيدة في الربع الأول من العام الجاري، مما يتطلب إعادة ضخ جزء من هذه الأرباح لتنشيط البورصات التي تعاني من شح في السيولة في الوقت الحاضر، علما بأن تراكم السيولة لدى البنوك بدأ يشكل ضغوطا إضافية عليها، مما قد يدفعها لتقديم تسهيلات قروض مبالغ فيها وغير مؤمنة بصورة جيدة. مثل هذا الوضع يتطلب إعادة النظر في بعض الجوانب المتعلقة بالتوجهات النقدية في بلدان المنطقة لمد أسواق المال بسيولة هي في أمس الحاجة إليها، وذلك بدلا من بقاء مبالغ طائلة في البنوك والتي بدورها تملك الرغبة في زيادة التوزيعات السنوية لقناعتها بقوة السيولة وقوة أوضاعها المالية. هناك العديد من الأمثلة والتطورات التي تتطلب الاهتمام بالسياسات النقدية وتسخيرها لخدمة النمو وتنشيط الحياة الاقتصادية، حيث يشكل ذلك توجها رئيسيا لمختلف بلدان العالم، وبالأخص تلك البلدان التي تملك قدرات مالية كبيرة، كدول مجلس التعاون الخليجي.