11 سبتمبر 2025
تسجيلرسائل الله إلى عباده كثيرة ومتنوعة، ولا نكاد نشعر بها إلا بعد أن تكون يقيناً في الوجدان ووقوداً للروح. كلمات وصور وأحاديث ومواقف وحكايات وتحذيرات وابتلاءات وهدايا كثيرة. وهي كلها رسائل تحتاج فقط لمن يقرؤها ويتأملها ويتدبرها في الوقت المناسب، لأنها لا تأتي إلا في وقتها المناسب والذي قدره الله سبحانه وتعالى تقديرا دقيقا، وليس أمامنا سوى الانتباه. وفي آيات القرآن الكريم بالذات متسع لكل الرسائل، سواء تلك التي تصلنا مباشرة بكلماتها وعباراتها، أو مخاتلة إذ نفتش عنها كلما احتجنا لما يرسخ اليقين ويزيد الوقود ويعزز الثقة، بالقصص والمعاني والصفات وبكل المحتوى القرآني الجليل. تأتينا رسائل الله دائماً.. فننتبه فوراً أحياناً، وفي أحيان أخرى تتغشانا فلا نكاد نتبينها إلا بعد حين وربما تغيب، أما إن أتتنا على حين غفلة منا، فيكون وقعها شديداً وأثرها مزلزلاً للكيان كله. قبل أيام قليلة حدث لي مثل هذا. لعله حدث فعلاً، فما زلت غير متأكدة تماما إن كان ما حدث رسالة من تلك الرسائل الإلهية أم أنها مجرد صدفة جميلة ساهمت بصنعها روحانية الزمان في رمضان والمكان في المسجد حيث صلاة قيام الليل في العشرة الأواخر من الشهر الفضيل. كنت سادرة في صلاتي بين جموع النساء وراء الإمام أنصت له وهو يقرأ سورة يوسف من أولها حتى آخرها، على مدى ثماني ركعات. ولا أدري لماذا كان شعوري غريباً وأنا أسمع هذه السورة. لطالما كانت سورة يوسف من السور المحببة إلى نفسي من القرآن الكريم، لكنني في تلك الليلة تحديداً، في تلك الصلاة والقراءة بصوت الإمام الهادئة، شعرت وكأنني أسمعها للمرأة الأولى في حياتي، حتى صرت أتلهف للآية اللاحقة وأنا أسمع. أريد تكملة القصة ومعرفة شخصياتها وأسرارها التي أعرف تفاصيلها القرآنية منذ أن كنت في المرحلة المتوسطة من الدراسة ربما. تفكرت بكل مفردة من مفردات السورة وتخيلت الأحداث تجري أمام عيني وكأنها مشاهد من فيلم سينمائي محبوك بسردية سريعة. يوسف وإخوته وأبوهم والعزيز وامرأته وصاحباتها وصاحبا السجن وكل الناس الذين شكلوا السورة كاملة. وعندما وصل الإمام في قراءته إلى قوله تعالى: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، تنبهت كل جوارحي للمعنى الجميل الجليل الكامن في تلك الآية؛ الأمل الذي ينبغي على البشر أن يعيشوه كاملاً كصورة من صور النجاة على هذه الأرض والإيمان بالله تعالى خالقها وخالقنا جميعا. فكيف يمكننا أن نشعر بلحظة يأس واحدة من روح الله وهو خالقنا؟ وصلتني الرسالة الخفية في تلك الآية بالوقت المناسب لي تماماً، وربما لهذا وحده تنبهت لها فوق تنبهي لكل السورة. للمرة الأولى انتهيت من الصلاة وراء الإمام بإحساس طاغ بالثقة؛ لن أيأس من روح الله. وستكون تلك الرسالة عنواناً. ترى.. هل شعرتم بهذا الشعور يوماً وأنتم تسمعون سورة أو آية من القرآن فتشعرون أنكم تسمعونها للمرة الأولى في حياتكم؟!