11 سبتمبر 2025
تسجيلبعد أن نجح الشعب الليبي بخلع نظام معمر القذافي بعد حرب دامية استمرت أقل من عام، وجد الليبيون أنفسهم في مواجهة حرب طاحنة من كل أعداء الثورة، ومن قبل قوى خارجية، عربية وإقليمية ودولية، لإفشال ما نجح الشعب الليبي بتحقيقه بعد أن قدم أكثر من 70 ألف شهيد، وعشرات آلاف الجرحى.لقد كان الليبيون أقرب إلى الوحدة العضوية الكاملة، فظلم القذافي طال الجميع لا استثناء، ولم ينج منه أحد، من كل المناطق والقبائل، وحتى من القبائل المقربة له، فهو لم يكن يعرف إلا نفسه فقط.هذه الحقيقة وضعت الشعب الليبي الثائر في ظرف أكثر من ملائم لبناء دولة جديدة على إنقاذ "لا دولة القذافي" فالتناقض الوحيد مع نظام العقيد الدكتاتور، والكل كان يرى أن الأرض ممهدة لإقامة حكومة تمثل الشعب الليبي بكل ألوانه السياسية والقبائلية والعرقية، ونجحت الانتخابات إفراز مجموعة كبيرة من النواب الممثلين حقا لمناطقهم.بعد ذلك حدثت الكارثة، فقد ظهر العقيد "خليفة حفتر"، وبدأت الحرب بين رفاق الأمس القريب، وكأنهم لم يقاتلوا معا ضد الدكتاتور، وسالت الدماء وانقسم البرلمان وصارت الحكومة حكومتين "في طرابلس وبنغازي"، وبدأت الأموال العربية والإقليمية والدولية تمول "لوردات الحرب"، وتحولت ليبيا التي كان الجميع ينتظرون أن تكون "قصة نجاح" إلى فشل ذريع ورواية دامية، ودخل العالم إلى اللعبة ليؤيد حكومة على حساب الأخرى، وتعطلت الحياة في ليبيا على مدى 5 سنوات، جعلت من الليبيين شعبا فقيرا، وهو يملك ثروة هائلة من النفط والغاز والسواحل والمصادر الطبيعية.الآن وبعد "ماراثون الدم" هناك تم تشكيل حكومة مصغرة للوفاق الوطني في ليبيا في مدينة الصخيرات المغربية وبدعم من الأمم المتحدة بعد أن وقعت عليها قوى سياسية مختلفة من طرابلس وبنغازي، وذلك بعد جولات من الفشل.لم يكن لهذه لحكومة الوفاق الليبية أن ترى النور لولا التغيرات الكبيرة على الأرض، وخوف قوى دولية وإقليمية، خاصة أوروبا، أن تتحول ليبيا إلى قاعدة قوية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وخروج ليبيا عن السيطرة تماما بعد إخفاق التعويل على "خليفة حفتر" لبناء حالة جديدة في ليبيا تضع الدولة بين يديه، والقلق من أن يؤدي أي تدخل دولي هناك إلى حرب طويلة الأمد بلا نهاية، تستنزف أوروبا الغارقة في موجات اللاجئين، والتي تحسب ألف حساب قبل إقدامها على مغامرة عسكرية غير محسومة النتائج، ما قد يؤدي أن تتحول ليبيا إلى بؤرة مشتعلة تحرق أصابع أوروبا، وتستنزفها اقتصاديا.ببساطة الكل حاول العمل على إعادة تركيب القطع المبعثرة في ليبيا، لمنع تفكك ليبيا نهائيا بعد أن فشلت الخيارات العربية الإقليمية الدولية في فرض "أمر واقع" هناك، وهذا ما جعل من المصالحة بين أعداء الأمس أمرا ممكنا بعد انتظار طويل.صحيح أن حكومة الوفاق الوطني الليبية حصلت على تأييد الجماعات المسلحة، خاصة في طرابلس، بعد أن دخلت معها في محادثات للاتفاق على ترتيب الأوضاع بعد تسلم هذه الحكومة لسلطاتها، إلا أن خطر الانزلاق إلى العنف مجددا لا يزال قائما، فحكومة بنغازي تضع شروطا للاعتراف بحكومة الوفاق، كما أن الاحتياجات المالية للشعب الليبي كبيرة جدا، وهي تريد حكومة قادرة على دفع الاقتصاد الليبي قدما إلى الأمام، من الحكومة التي قدمت وعودا للإصلاح المالي والتغلب على الفقر والبطالة والركود، وهذا يعتمد على القدرات المالية لهذه الحكومة العتيدة، كما أن الملف الأمني يمثل صداعا كبيرا وتحديا ضخما لهذه الحكومة التي لا تقدر أي مؤسسات أمنية أو عسكرية على فرض الاستقرار والأمن، خاصة مع وجود عدد كبير من الجماعات المسلحة.هذه التحديات الداخلية وغيرها، ورغبة الجيران العرب، والقوى الدولية هي الميزان الحقيقي للحكم على مآلات الأوضاع في ليبيا، وعما إذا كانت هذه الحكومة ستنجح أم ستتحول مثل سابقاتها، مجرد حالة من العجز أمام إصرار أعداء ليبيا على تخريب المشهد برمته.