27 أكتوبر 2025

تسجيل

مطلوب تنازلات من الضحية لجلادها !!

08 أبريل 2014

في أبريل 1913، شغل الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيرى، شغلا أجهزة الإعلام العالمية، بخبر مبادرتهما الطازجة لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بضربة لازبة مرة واحدة وإلى الأبد. وأنهما سينجزان تلك المعجزة العمل الضخمة في ظرف عام واحد يبدأ في 29 أبريل 2013 وينتهي في 29 أبريل 2014، بهذا التحديد القاطع الذي بدا أنه لن يأتيه التعديل والتبديل لا من بين يديه ولا من خلفه. واتخذ الرجلان ترتيبات غاية في الصرامة، منها أنه غير مسموح للإعلام بكل درجاته وسحناته الوظيفية أن يمد عينية خلال الثقوب والفجاج ليرى ما يجرى داخل الغرف المغلقة بإحكام شديد على المتفاوضين الذين بدوا وكأنهم كتيبة مرهونة لا يمكن فكاكها إلا بعد إنجاز المهمة التي أوكلت إليها. أما الحديث عن سير المفاوضات سيكون مقصورا على وزير الخارجية جون كيري حصريا. وهو حديث سيكون قليلا جدا. ربما أخذا بالمثل السوداني المشهور الذي يقول (السواي ما حداث). ومع ذلك لم يسكت الإعلاميون والمحللون والمراقبون عن الحديث عن هذه المبادرة التي تطلع بمهمة ظل العالم ينتظر إنجازها على مدى ستين عاما أو تزيد دون أن يظهر في الأفق البعيد شبح ذلك الشخص الفلتة أو قل الرجل المعجزة الذي سوف تتحقق على يديه معجزة الألفية الثانية في وقت انتهت فيه أخبار المعجزات التي يحققها البشر بجهدهم المنفرد فوق أديم الثرى. قلت أن المراقبين والمحللين والإعلاميين، هذه الفئات التي امتهنت الكلام منذ نعومة أظفارها، ويصعب على أي كائن من كان أن يمنعها عن الكلام والهترشة عن أي حدث يجرى فوق سطح الأرض، أو فوق سطح البحر، أو فوق سطح المريخ. استلت تلك المجموعات ألسنتها وأقلامها وأخذت تبرطع حول مبادرة الرئيس باراك حسين أوباما وزير خارجيته جون كيرى. منذ الوهلة الأولى تشكك البعض حول فرص نجاح مبادرة الرئيس الفصيح ووزير خارجيته الأقل فصاحة، وقد بدا ذلك من ضعف أدائه في المناظرات ضد رئيس على اللسان فاز في المرة الأولى بقرار من القضاة المحافظين الذين عينهم والده الرئيس. وفاز في المرة الثانية عن طريق توازن الضعف بين المتنافسين، فاختار الشعب الأمريكي بوش الابن عملا بالمثل القائل (جنا تعرفه خير من جن لا تعرفه). المهم المجموعات المتشائمة قالت لن تحقق المبادرة اختراقا إلا في حالتين هما أن تقنع الولايات المتحدة إسرائيل بإسقاط شرطين قبل أن توافق على منح الفلسطينيين دولتهم التي أعطتها لهم وثيقة التقسيم الدولية الصادرة في نوفمبر1947. الشرط الأول هو اعتراف الفلسطينين بيهودية دولة إسرائيل. والشرط الثاني هو بقاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وتبعيتها لإسرائيل. إذا اعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل، فهذا يعني تنازلهم عن حق عودة المهجرين الفلسطينيين إلى ديارهم التي طردوا منها بقوة السلاح في عام 1948. ويعني كذلك إمكانية أن تطلب إسرائيل من عرب إسرائيل (وهم مجموع الفلسطينيين الذين تمسكوا بديارهم ورفضوا الهجرة منها) أن تطلب منهم إسرائيل توفيق أوضاعهم بالهجرة إلى دولتهم الجديدة. أما بقاء المستوطنات في الضفة الغربية وتبعيتها لإسرائيل، فهذا يعنى أن الدولة الفلسطينية القادمة ستكون كانتون أو قطعة سندويتش صغيرة ستلتهما إسرائيل وتدمرها عمليا عندما تحولها إلى مفرخ للعمالة الرخيصة الفقيرة التي لن تلبث أن تثور وتقلب الطاولة على رؤوس الجميع. وقالت مجموعات المحللين والمراقبين الذين تقدم الحديث عنهم أن الرئيس أوباما ووزير خارجيته، بل والرئيس الأمريكي القادم، كلهم جميعا هم اضعف من أن يجبروا إسرائيل على التنازل عن الشرطين العزيزين المذكورين. المحاولة تتوالى والأخيرة التي حاول فيها رئيس أمريكي إجبار إسرائيل على شيء لا تريده قام بها الرئيس جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر عندما أوقفا ضمامات القروض عن إسرائيل. ولكن النتيجة النهائية كانت طردهما من البيت الأبيض. لقد عصف بهما اللوبي اليهودي القاهر وأدبهما. في هذا الأسبوع تأكد أوباما أنه كان متفائلا أكثر من اللزوم. إسرائيل رفضت التنازل عن شرطيها العزيزين. وكانت قمة المأساة أن يطلب أوباما من الرئيس عباس أن يقدم تنازلات مؤلمة من أجل السلام. تنازلات من الرئيس عباس وليس من نتنياهو.