13 سبتمبر 2025
تسجيلوحدة أوروبا الحالية خادعة، فهي ليست ذلك النموذج والمثال الذي يمكن الطموح إليه، فهناك اختلافات عميقة بين دولها وأعراقها وأديانها، حتى لو كانت ناديا مسيحيا إلا أن عوامل التفرقة والاختلاف كامنة فيها إلى الحد الذي يهدد المحفل الاتحادي الظاهر، وهي استفادت من لحظات تاريخية محددة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي لتقفز على متاعبها الاقتصادية فأنتجت الاتحاد الأوروبي، وهو كيان قابل للانهيار بصورة أكثر من أن يبقى ويستمر ويتطور.مؤخرا جاب آلاف المتظاهرين شوارع العاصمة الأوروبية بروكسل بدعوة من النقابات الأوروبية تحت شعار "مسار جديد لأوروبا"، وبحسب الأخبار تعتبر هذه المظاهرة الأوروبية الموحدة الأولى خلال هذا العام وتطالب بأوروبا جديدة من خلال تعزيز الاستثمارات والنمو المستدام وخلق وظائف قيمة للجميع، إضافة إلى تعزيز الشق الاجتماعي في السياسات الاقتصادية المطبقة من قبل الحكومات الأوروبية.المتظاهرون أجمعوا إلى حد ما على أن أوروبا التي يتظاهرون من أجلها، خاصة من أجل الأطفال والأحفاد هي أوروبا التضامن التي تخلق وظائف نوعية بأجور لائقة وتفكر في مستقبل الشباب، ذلك ما يريدونه وليس أوروبا ليبرالية تزيد من معاناة وبؤس المواطنين، والمفارقة أن تلك الليبرالية هي التي منحت الأوروبيين قوتهم وطاقتهم الدافعة للتطور والتميز السياسي والاقتصادي، أي أنهم يعودون إلى أسباب قوتهم للتعامل معها بسطحية وتفتيت ما ينذر بانهيار تجربة الاتحاد الأوروبي.هناك تمايز اقتصادي بين الدول الأوروبية، فدول أوروبا الشرقية ليست بذات الرفاهية والقوة الاقتصادية التي تتمتع بها أوروبا الغربية، أي أن هناك طرفين يعتمد أحدهما على الآخر بصورة كبيرة، وفي الغربية أيضا هناك دول ليست بقوة وحجم دول أخرى، وإذا أضفنا الأزمة الاقتصادية المالية الأخيرة فإن مطالبات النقابات هذه ستصبح صداعا دائما للقادة الأوروبيين، لأنه لا يمكن خلق وظائف في اقتصادات لديها كثير من الالتزامات السياسية التي تعمل على تآكل قوتها الاقتصادية دون تحقيق عوائد مناسبة.هل يبدأ الاتحاد الأوروبي نهايته؟ ذلك ممكن وإذا كانت رؤية النقابات العمالية لليبرالية بهذا التواضع والزهد فيها فإن أوروبا تخسر وحدتها ونفوذها وقوتها، فالناس ليسوا بحاجة إلى وحدة لا تضيف اليهم أو تتعامل بمبضع اقتصادي لأزماتهم وعطالتهم وافتقادهم لأبسط احتياجاتهم، ودعم ومساندة دول أوروبا الشرقية الفقيرة سيأتي حتما على حساب رفاهية الأوروبيين الذين ظلوا ينعمون بمستويات معيشية هي الأرقى عالميا، ولذلك فإن أوروبا أمام خيار البقاء أو العودة إلى ما كانت عليه، وإن كان ذلك بطيئا نسبيا.