13 سبتمبر 2025

تسجيل

بريكس ودول التعاون الخليجي

08 أبريل 2012

مع حلول عام 2009 برز نجم جديد في العلاقات الدولية ستكون له تأثيرات عميقة في إعادة هيكلة هذه العلاقات على أكثر من صعيد، ففي ذلك العام تأسست مجموعة "بريكس" المكونة من البرازيل وروسيا والصين والهند لتنضم إليها جنوب إفريقيا في أواخر عام 2010. وتشكل هذه المجموعة الجديدة 43% من مجموع سكان العالم، أي خمسة أضعاف عدد سكان بلدان الاتحاد الأوروبي، كما أنها حققت في الأعوام الماضية أعلى معدلات للنمو لترتفع حصتها إلى 22% من الناتج العالمي، في الوقت الذي كانت فيه البلدان والمجموعات الأخرى في العالم تعاني من أزمات متتالية. وفي اجتماعها الأخير الذي عقد نهاية الشهر الماضي في العاصمة الهندية نيودلهي اتخذت مجموعة بريكس قرارات مهمة للغاية ستؤدي في حالة الأخذ بها إلى تغير موازين القوى الاقتصادية والسياسية في العالم، إذ إنها ضمن أمور أخرى قررت إقامة بنك عالمي للتنمية والتمويل على غرار صندوق النقد الدولي والذي تحتكر أوروبا رئاسته منذ تأسيسه قبل أكثر من ستين عاما وحتى الآن، في الوقت الذي تحتكر فيه الولايات المتحدة رئاسة شقيقه البنك الدولي. تزامن ذلك مع تغير جذري آخر في علاقات مختلف بلدان العالم مع مجموعة بريكس، وبالأخص بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث تمكنت بعض بلدان بريكس من إزاحة البلدان التقليدية، كاليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من رأس قائمة الشركاء التجاريين لدول المجلس في السنوات الخمس الماضية، لتأتي الصين ومن ثم الهند، كأكبر شريكين تجاريين لدول مجلس التعاون، أما فيما بينها، فقد نمت التجارة بين بلدان بريكس بنسبة 28% سنويا خلال السنوات القليلة الماضية. وبالإضافة إلى التجارة نمت العلاقات الاقتصادية بين المجموعتين الخليجية وبريكس بصورة ملحوظة ووقعت اتفاقيات مشتركة ونفذت مشاريع إستراتيجية كان آخرها استثمار كويتي صيني مشترك بقيمة تسعة مليارات دولار في مجال البتروكيماويات ومشتقات النفط. يأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه تجارة دول المجلس مع بلدان الاتحاد الأوروبي من قيود بسبب تأخر الجانب الأوروبي وتردده في توقيع اتفاقية للتجارة الحرة منذ أكثر من عشرين عاما، كما أن تنامي القدرات المالية لدول المجلس بفضل ارتفاع أسعار النفط ولد لديها قدرات استثمارية تبحث عن قنوات مناسبة يتوفر بعضها في بلدان بريكس سريعة النمو. وفي الوقت نفسه تحولت بعض بلدان بريكس، كالهند والصين إلى أحد أهم مستوردي النفط الخليجي، في حين تعتبر روسيا أكبر منتج للنفط في العالم بطاقة تتجاوز 10 ملايين برميل يوميا، مما يتيح تنسيق السياسات النفطية بين الجانبين. من هنا، فقد أصبح انضمام دول مجلس التعاون الخليجي بشكل جماعي لمجموعة بريكس يحمل في طياته أبعادا إستراتيجية واقتصادية وسياسية للمجموعتين من جهة ولإعادة رسم العلاقات الدولية من جهة أخرى، إذ يمكن اعتبار هذا التوجه الإستراتيجي جزءا مهما من عملية بناء المستقبل في ظل تغير موازين القوى في العالم، ففي الوقت الذي يبتعد فيه الغرب عن النفط الخليجي، فإن الشرق وفي مقدمته بريكس يقترب أكثر وأكثر من صادرات النفط القادمة من الخليج العربي. ولا يقتصر الأمر على هذه الأهمية فحسب، بل إنه يشكل أهمية كبيرة لفترة ما بعد النفط، فالصادرات الخليجية المستقبلية بحاجة لأسواق كبيرة، إذ لا يوجد أفضل من أسواق بريكس المتعطشة لمختلف أنواع السلع بسبب نموها السريع ولكونها تشكل قوة استهلاكية هائلة لكثافتها السكانية وتنامي قدرتها الشرائية. ونجزم، بأنه ليس من الصعب أن تنظم دول المجلس بصورة موحدة لمجموعة بريكس، فأولا نتوقع أن يكون هناك ترحيب واسع بانضمام دول المجلس، وثانيا يمكن أن يمثل المجلس في بريكس - والتي ستسمى بعد هذا التغيير "جي بريكس" - برئيس الدورة السنوية، وذلك بالتناوب بين دول المجلس، خصوصا وأن انضمام دول المجلس بصورة منفردة مسألة غير عملية بسبب صغر حجم الاقتصادات الخليجية، مقارنة باقتصادات بقية الأعضاء في بريكس. في هذه الحالة ستكون للمجموعة الجديدة "جي بريكس" تأثيرات إيجابية واسعة على اقتصادات هذه المجموعة بشكل خاص وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية بشكل عام، فالتشكيلة المقترحة ستكون حاضرة بقوة في كافة المنظمات الدولية والتي لا بد وأن يطالها التغيير، فموازين القوى التي فرضت بعد الحرب العالمية الثانية تغيرت تماما، مما يتطلب تغييرا مماثلا في عمليات التمثيل واصطفاف القوى وموازينها في هذه العلاقات الدولية لتعكس مصالح مختلف البلدان بصورة أكثر توازنا وعدلا.