15 سبتمبر 2025

تسجيل

ما قبل وما بعد الطوفان قراءة تاريخية 2 - 2

08 مارس 2024

نواصل مع القراء الكرام سردية تاريخ الصراع القديم بين حق فلسطين وباطل الاحتلال لندرك أن ما وقع في 7 أكتوبر ليس كما يزعم المنهزمون خطأ بل حتمية مقاومة خدروا شعبها منذ مدريد وأوسلو وكامب ديفيد بأنه سينال استقلال دولته كما أقرتها منظمة الأمم المتحدة ولم يجن الشعب الشهيد سوى الخديعة والتسويف بينما اتسعت المستوطنات لتحيل مبدأ إنشاء دولة فلسطينية مستحيل الإنجاز. ومع تشتت الشعوب العربية والمسلمة وتشرذمها صعد نجم الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية المبنية على الإسلاموفوبيا وسياسات مكافحة «الجهاد» وحققت في أغلب دولها نجاحات انتخابية بل ووصل يمينيون عنصريون إلى رئاسة دولهم! لقد أصبح حزب (فلامس بيلانج) في بلجيكا وحزب الديمقراطيين السويديين وحزب البديل من أجل ألمانيا وحزب فوكس القومي في إسبانيا وحزب الرابطة وحزب إخوة إيطاليا في إيطاليا وزعيمتهم ترأس الحكومة ولا تنكر جذورها وكذلك حزب الحرية النمساوي وحزب الاستقلال البريطاني وحزب الجبهة الوطنية الفرنسية الذي وصل بزعيمته (مارين لوبان) مرتين إلى الدور الثاني للانتخابات الرئاسية في 2017 و2022 ثم حركة مجر أفضل «فيدس» في المجر وحزب الحرية الهولندي وحزب الشعب الدنماركي وحزب الفجر الذهبي في اليونان وحزب القانون والعدالة في بولندا. أصبحت هذه الأحزاب في الأعوام القليلة الماضية من الأحزاب الرئيسية التي تحظى بدعم كبير وقد تسربت أفكارها إلى خطاب وسياسات أحزاب يمين الوسط المعتدلة عادة في جميع أنحاء أوروبا رغبة منها في عدم ترك المجال الشعبوي للأحزاب المنافسة واستعارت أحزاب اليمين المعتدل أغلب شعارات اليمين المتطرف بل وسنت قوانين غريبة لإرضاء المواطن البسيط محدود الثقافة السياسية والتاريخية. ويكفي أن تفتح اليوم أي قناة تلفزيونية أمريكية أو أوروبية لترى بالعين المجردة وتسمع بالأذن الذكية عمليات تدليس الأحداث وتكرار كذبة رؤوس الرضع المقطوعة دون إثبات ذلك رغم توثيق كل ما هو أقل فداحة لخدمة مشاريع إسرائيل التوسعية! ولنأخذ أهم مقتطف من كتاب رشيد الخالدي الذي يؤرخ لنكبة فلسطين الثانية بتوقيع اتفاقية أوسلو المغشوشة التي كما كتب لا تقوم على أساس قيام دولة فلسطينية، لأن أي استقلال حقيقي على أي شبر من الأرض الفلسطينية، لن يكون خارج إطار الصراع العربي مع الصهيونية والإمبريالية فأين اتفاق أوسلو من مشروع الاستقلال الفلسطيني والدولة الفلسطينية في حين أن شروط الاستقلال والدولة غير قائمين. فالدولة عادة ما تأتي بعد تحقيق ركنين أساسيين للدولة، وهما: الأرض والشعب. فهي تأتي لتمارس السيادة على الأرض والشعب! أما في الحالة الفلسطينية، فالسلطة الفلسطينية وجدت في إطار تسوية وضمن اتفاقيات أوسلو التي تكبل تحركها وتجعل كل خطوة من خطواتها، ولا سيما ذات الطابع العسكري مرهونة بالموافقة الإسرائيلية بينما يريد الشعب الفلسطيني أن تقوم السلطة الفلسطينية بمهمة مزدوجة، أي استكمال تحرير الأرض ولملمة شتات الشعب الفلسطيني والتأسيس للدولة الفلسطينية فإن السلطة الفلسطينية دأبت على خدمة أهداف المخطط الصهيوني الذي يمهد للكونفدرالية مع الأردن كخطوة على طريق استيعاب الهجرة من فلسطين إلى الأردن انطلاقاً من أن الجماهير تقيم في دولتها، للتخلص من القطاع الأوسع من الفلسطينيين في إطار تطبيق سياسة التهويد وما يترتب على ذلك لاحقاً من إقامة وطن بديل في الأردن، الأمر الذي يرتب صراعات على الساحة الأردنية لن تخدم إلا العدو الصهيوني. إن هذه «الدولة الفلسطينية» بلا حدود مع الجوار العربي، ويحيط بها الكيان الصهيوني من كل صوب وجغرافيتها من الداخل ممزقة ومخترقة إما بمستوطنات ومعسكرات «إسرائيلية» أو بطرق التفافية تسيطر عليها قوات الاحتلال ومن غير المسموح لها أن تؤسس جيشاً أو تكوّن قوة من أي نوع. هكذا حلل كتاب الخالدي محطات المؤامرات الكبرى التي طوعت حركة التحرير الفلسطينية وروضتها لتمرير مشروع إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات وهو ما شكلت عملية طوفان الأقصى فضحا مدويا لها وأيقظت مارد المقاومة الإسلامية من رقدته ليفرض واقعا جديدا مهما بلغ عدد ضحاياه من الأطفال والنساء والمدنيين! اليوم بعد السابع من أكتوبر يمكن أن نقرأ موسوعة عبد الوهاب المسيري، رحمه الله، بعيون مختلفة وعقول مختلفة لأننا نقف على نفس المحطات التي استشرفها بوعي خارق. اليوم نقف شاهدين على أكبر المجازر اليومية في القطاع تبعتها جرائم إبادة بالتجويع والتعطيش ومنع الدواء والوقود. ولا يزال الموقف القطري كما عهده العالم متمسكا بحق فلسطين ومعتبرا حكومة اليمين الإسرائيلي مارقة على القانون الدولي والأخلاق الأممية.