17 سبتمبر 2025
تسجيلخلال مكوثي في بيت الطاعة هرباً من الكورونا، حاولت تفادي الملل من الحبس باكتساب مهارات وعادات حميدة جديدة، ومن بينها أنني صرت وما عدا في فصل الصيف أمشي يومياً لنصف ساعة على الأقل، وكان ذلك من باب الحرص على الصحة وتفادي تراكم الشحوم في الجسم، ثم دخلت في تجربة صعبة وغريبة وهي شرب كوب شاي بدون فتفوتة سكر! وقبل أن تتفلسف وتقول: وش فيها؟ أقول لك: تذكر أنني سوداني، والسوداني المصاب بالسكري يشرب كوب الشاي العادي مضافا إليه أربع ملاعق سكر، أما الزول الخالي من ذلك المرض فإنه يضع السكر في كوب الشاي بمغرفة الطبخ، ومن ثم فإن الشاي الأحمر السوداني أقرب إلى «المربى»، أو عسل النحل المغشوش، ولم يعد يدهشني أن أسمع العامل الهندي المكلف بجلب الشاي للموظفين في هذا المكتب أو ذاك في منطقة الخليج أن يسألني: سكر سوداني ولا عادي؟. وقد جربت القهوة العربية مرة واحدة في حياتي، وشفطت منها جرعة وبصقتها في منديل ورقي، والسبب في ذلك أنها كانت ولا تزال خالية من السكر! وأنا من محبي الشاي خاصة بالنعناع، ولم أكن أتخيل أنه سيأتي يوم تحرمني فيه الظروف من شرب الشاي المشبع بالسكر، وبالمناسبة فإنني لست - ولله الحمد - مصابا بالسكري، وكل ما هناك هو أنني أهوى قراءة الموضوعات العلمية المتعلقة بالصحة العامة، وتعلمت منها الكثير عن ضرورة سد الباب الذي يأتي منه الريح، بالابتعاد عن ممارسات وعادات قد تؤدي إلى إصابتك بالأمراض ومن بينها السكري، وعرفت منها مضار السكر الأبيض، وعرفت أيضا أن بدائل ذلك السكر ليست آمنة أو مأمونة، فقلت: يا أبو الجعافر ما بدهاش.. بلاش سكر أبيض أو اصطناعي، خاصة وأنني أتعاطى ما هو أكثر من حاجتي من السكريات من التمر، وصرت مدمنا للتمر السكري الذي تشتهر به منطقة القصيم في السعودية، وأدعو الله ألا يحرمني منه، وهكذا جعلت مع دعائي شيئاً من القطران، بأن قررت الابتعاد عن الأطعمة التي تحوي سكرا كثيرا!. والشاهد في كل ذلك هو أنني ما كنت أحسب أنني سأطيق شرب نقطة صغيرة من الشاي بدون كميات تجارية من السكر، وبعد أن أنهيت الجملة الأخيرة هذه بدأت في شرب ثاني كوب شاي بدون سكر (في حياتي)، ووجدت طعم الشاي هو، هو.. سيم سيم، يعني المسألة تتعلق بالاعتياد على الشيء، وقبل سنوات عانيت من ارتفاع في ضغط الدم وطلب مني الطبيب وقف التدخين، وكشخص مشبع بالثقافة العربية، فقد تجاهلت توجيهات الطبيب متعللا بكلام سمعته من مدخنين بأن التوقف النهائي عن تعاطي التبغ يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم عند المدخن المحترف، وهكذا واصل ضغط الدم عندي ارتفاعه، فطبقت نصيحة الطبيب جزئيا، فقد كنت أدخن نحو ستين سيجارة في اليوم فأجريت «تنزيلات» وجعلتها 40 سيجارة في اليوم، ولكن أوعيتي الدموية السخيفة لم تتجاوب مع ذلك التنازل، فقمت بخفض عدد سيجاراتي اليومية الى عشرين، ولكن بلا طائل، وهكذا انهزمت واتخذت قرارا بالإقلاع عن التدخين، وكنت متأكدا ان ذلك سيؤدي إما إلى وفاتي، أو طلاقي من زوجتي بسبب النرفزة والتوتر، والحمد لله ما زلت حيا ومتزوجا بأم الجعافر. وأذكر أنني قرأت في الصحف السعودية قبل سنوات كلاما أصابني بارتفاع شديد في ضغط الدم، فقد نشرت جمعية خيرية معنية بمكافحة التدخين والمخدرات تقريراً جاء فيه ان السعوديين يحرقون سجائر بقيمة 15 مليار ريال سنويا. تخيل لو أن كل مدخن في السعودية تنازل عن ثلاث سيجارات شهريا، أي قام بتوفير ريال واحد ووضعه في صندوق يحمل اسمي (السعودية تأتي في المرتبة الثالثة عالميا من حيث عدد المدخنين)، ولنفترض أن بها 3 ملايين دخاخنجي أي شارب سجائر، سيصير عندي شهريا ثلاثة ملايين ريال، وفي سنة واحدة 36 مليون ريال، وهو مبلغ يعادل ما تنفقه بعض الدول على الصحة والتعليم والخدمات في سنة كاملة، وأملي عظيم في أن يتجاوب معي المدخنون السعوديون لأنني عضو في مجلس التعاون الخليجي (غطيت صحفيا أول قمة خليجية وكانت في فندق إنتركونتننتال في أبو ظبي)، وأعدهم بأنني سأستغل تلك الملايين لإقامة معاهد ومطاعم ومراكز طبية مجانية لكل الناس.. ما عدا المدخنين «المفترين». [email protected]