16 سبتمبر 2025

تسجيل

سراب المجتمع المدني العربي

08 فبراير 2014

كثير من الفلسفة يضر، وقليل منها يفيد، فهي مثل الدواء، كثيره قد يفسد الصحة، والجرعة المناسبة تأتي بالعلاج والشفاء، وهذا الحال يمكن قياسه على كثير من مناهج الحياة وأنظمتها، ويمكن الاستدلال على ذلك بمفهوم حيوي مهم يتعلق بالاستهلاك السياسي، وهو المجتمع المدني الذي وإن كان أحد أرقى مكونات المجتمعات المعاصرة ودليل عافيتها وسلامتها الحضارية والإنسانية، إلا أنه في عالمنا العربي أصبح حلما يغازل به السياسيون طموحات الجماهير واستغلال حاجتهم إليه.المجتمع المدني مفهوم غربي يتوافق مع متغيرات وتحولات البنية الاجتماعية واكتسابها مقومات حضارية وحداثية تجعله أكثر وعيا واستيعابا لاتجاهات المستقبل، بحيث يصبح العقل الاجتماعي متطورا وناضجا، ويمتلك أفراد المجتمع الوعي الضروري لمزاولة الحياة بقيم ومبادئ إنسانية قائمة على الاحترام والعمل بالنظام والتفاني في خدمة المجتمع والدولة، بحيث تسود معاني الاستقرار والأمن والطمأنينة بمعرفة كل أحد لواجباته ومهامه بصورة مسبقة لا تحتاج إلى تحفيز أو دفع من قوة السلطة وإنما بإيحاء ذاتي باعثه الإحساس بالمسؤولية.هذه الحالة ليست موجود لدينا في العالم العربي، بينما توجد في الغرب وإن كانت هناك مظاهر انتقاص في أفعال غير حضارية، ولكن ذلك لا يعيب تجربة المجتمع المدني المتحضرة، ففي دول مثل السويد والنرويج يفكرون في إلغاء السجون بعد أن أصبحت خاوية، وأستشهد بمقولة للروائي الروسي المهم ديستوفيسكي "مدنية المجتمع تقاس بعدد المسجونين فيه"، وعليه فإنه كلما ارتفع عدد المسجونين تراجعت فكرة المجتمع المدني، والعكس صحيح.وبهذا الواقع كيف للسياسيين العرب والنخبة الثقافية أن تتحدث عن المجتمع المدني، ولا تزال هناك فجوة عميقة في الفكرة الاجتماعية حول الثابت والمتغير، وعدم وصولنا إلى مرحلة الوعي الشاملة بما يجب أن يكون وأن نتجه إليه في مستقبلنا، في وقت لا توجد فيه التزامات ثابتة للحفاظ على استقرار الأوطان واحترام السلطة السياسية ومعارضتها بالتي هي أحسن، ومقارعة الحجّة بالحجّة والمنطق حرصا على سلامة المجتمع والدولة.ينبغي أن نعترف بأن هناك حالة من الاحتقان يمارس فيها السياسيون دور لاعب السيرك الذي يلعب على كل الحبال، وما لم نرتق بالفكرة الاجتماعية ينبغي الكف عن خداع الجماهير بعظمة وقيمة المجتمع المدني، لأننا بعيدون جدا عنه، ويكاد يكون سرابا سياسيا واجتماعيا لا يمكن بلوغه يوما قبل أن نرتب المجتمعات ونصل بها إلى الرفاهية وارتفاع وعيها.