11 سبتمبر 2025
تسجيلحادث يتيم وغريب عن تاريخنا ومجتمعنا وثقافتنا، محاصرُ بكل الشبهات التي تفرض الإدانة لمرتكبيه، والمخططين، بأعلى صوت وأعلى مستوى، لأنه أخطأ المسرح والنتيجة، من خلال استهداف واحة أمان معروفة بعمق الاطمئنان الى إرث سياسي وأخلاقي عريق. حادث يتيم، لأن أحداً لا يجرؤ على تبنيه، بما ينضح منه من جهل واستهتار، ولأنه يقع، خلافاً لما تقره الأديان والقوانين والأعراف، في بلد معروف بمواقفه الدائمة التي تدين الإرهاب والعنف في جميع صوره وأياً كان مصدره ومبرراته. ومن سوء الاعتقاد وسخفه في آن، أن يوحي البعض بأن هذا ما تجنيه قطر من نشاطها السياسي المميز على الخريطة العالمية، بينما هذا النشاط الذي اختطه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى منذ سبع سنوات كان نشاطاً بناء على كافة الأصعدة، وأصبحت ترتكز عليه السياسة القطرية التي أثمرت - في كثير من الأحيان، وبشهادة الكثيرين - وساطات سياسية ناجحة، كان آخرها ما حصل بالأمس من إفراج عن أسرى مغاربة احتجزهم ثوار البوليساريو، بفعل وساطة قطرية مباشرة بين الجانبين. كما أن علاقات قطر جيدة مع دول العالم بصورة عامة، وعلاقاتها مع روسيا لا تشذ عن هذه القاعدة. وبالرغم من أن روسيا سبق لها أن طالبت قطر بتسليمها الرئيس الشيشاني السابق ياندر باييف، فاننا لا نستطيع توجيه أصابع الاتهام لها قبل الانتهاء من التحقيق الذي تجريه السلطات القطرية على كافة المستويات، لمعرفة كل ملابسات الحادث المؤسف. ولابد من التنويه في هذا السياق، بأن نشاط الرئيس السابق ياندر باييف، منذ حصوله على الإقامة المؤقتة في قطر، كان محصوراً في نطاق مهمته كممثل للشيشان لدى الدول الإسلامية، حتى في إطار علاقته بالصحافة بصورة عامة. وكان يعيش حياة عادية جداً، ويتنقل بدون حراسة، وكنا نشاهده يتنقل بمفرده كثيراً في الأسواق التجارية، أو المناسبات الاجتماعية، الأمر الذي ينم عن اقتناعه بدوره السلمي وسلوكه الإيجابي مع الجميع، حتى أنه كان ينادي دائماً بالمفاوضات مع الجانب الروسي لحل المشكلة الشيشانية. ولئن كنا نأسف أشد الأسف لأن يستغل بعض ضعاف النفوس، هذا الشعور بالاطمئنان لدى كل مواطن ومقيم على أرضنا، في حياته ومصدر رزقه وعيشه الكريم، لتصفية حسابات خاصة قصيرة النظر والعمر، عندنا، فاننا نغتنمها فرصة لتأكيد ثقتنا العميقة بجهود قوانا الأمنية، القادرة - باذن الله - على كشف ملابسات الحادث الآثم، وتقديم مرتكبيه إلى العدالة، لينالوا جزاء ما ارتكبت أيديهم في أسرع ما يمكن، بحيث يتحول هذا الحادث عبرة لكل من تسوِّل له نفسه المريضة في المستقبل، العبث بأمن البلاد وضيوفها. فالأمن في قناعتنا، يتقدم على كل ما عداه، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً، كما أن الحوار الحضاري الإنساني الراقي، والتفاعل ما بين الشعوب والأمم، لا يمكن أن تقوم له قائمة مادام سيف الإرهاب مسلطاً على العقول والقلوب.. والأفكار. انها مناسبة لتأكيد التمسُّك بثوابتنا وثقافتنا وأعرافنا وبمنهجية العمل السياسي القطري الذي اثمر وأينع علاقات متميزة، مع دول العالم لم تتأثر بأعمال من لا يتورعون عن ارتكاب أي عمل شائن، خدمة لأهدافهم ومصالحهم المشبوهة وأخيراً، فاننا لا نقلل من شأن ما حدث بالأمس، إذا ما قلنا إنه أضعف بكثير من أن يغير في قواعد المعادلة القطرية التي فرضت احترامها على البعيد قبل القريب، خصوصاً أنه لا يتجاوز كونه نقطة في بحر الحوادث المتنقلة والتفجيرات المتلاحقة على المسرح الدولي. ندعو الله أن يرحم ياندرباييف ويتغمده برحمته وأن يجنب قطر وأهلها والمقيمين فيها الشر وأهله.