04 نوفمبر 2025

تسجيل

تهافت التوافه (2)

08 يناير 2018

دخلت مفردة "الهرولة" القاموس السياسي الفلسطيني في عام 1993، مع إبرام ما هو معروف باتفاق أوسلو، برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وما تلاه من أعوام، في سياق الردح السياسي بين بابوات منظمة التمرير الفلسطينية، ومعارضي الاتفاق (استحقت منظمة التحرير الفلسطينية المسمى الجديد، لأنها ومنذ اتفاق أوسلو، صار كل إسهامها في القضية "المصيرية" هو تمرير القرارات الصادرة من الباب العالي في واشنطن)، ثم تحولت الهرولة الى تهافت غبي على رب ذلك البيت (الأبيض)، الذي لن يطعمهم من جوع ولن يآمنهم من خوف. ولحين طويل من الدهر كانت هناك    جبهة دول الصمود والتصدي، وكان الاسم يوحي بأن تلك الدول ستتصدى لإسرائيل، وتصمد في وجه بغيها وعدوانها، ولكن كان كل ما أنجزته في ذلك الصدد، هو طرد مصر من الجامعة العربية، باعتبار انها خرجت من "الاجماع العربي – اسم الله عليه - لأنها وقعت اتفاق كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، والغريب في الأمر هو أن اتفاق كامب ديفيد صمد، بينما تكلست تلك الدول، واستحقت اسم جبهة "الصموت والتصدئ"، والخطأ اللغوي في هذه التسمية ضرب من البلاغة الرفيعة، لوصف حال مستحدث.      ولم يكن مستغربا أن عرّاب تلك الجبهة، والأجهر صوتا بين مؤسسيها، وهو الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، سئم من التخبيص والتهريج العربي، وصار ملك ملوك أفريقيا، أي في مرتبة واحدة مع ملك أوراق اللعب، ثم سلم كامل ترسانته من الأسلحة الكيميائية والجرثومية ونواة قنبلته النووية للولايات المتحدة، ودفع آلاف الملايين لعائلات أمريكية فقدوا أقارب، في حادث اسقاط عملاء الاستخبارات الليبية، لطائرة ركاب أمريكية فوق لوكربي في اسكتلندا، ودخل بيت الطاعة الأمريكي ذليلا كسيرا، ومع هذا ظلت واشنطن تعتبره ناشزا، وانتهزت فرصة الانتفاضة الشعبية ضد حكمه، واستعانت بحلفائها، فدكوا قلاعه، وانتهى به الأمر محشورا في أنبوب للصرف الصحي، ومنه محشورا في قبر. الزعماء العرب الذين يتسابقون للجلوس قبالة كل سيد في البيت الأبيض، لا يقرأون التاريخ الحديث، وثقافتهم السياسية مستقاة من تجربة الدولة الأموية، ولكن فقط من حيث التشبث بكراسي الحكم، ولم يأخذوا عنها التحول إلى امبراطورية كبرى، بلغت ذروة اتساعها في عهد الخليفة العاشر هشام بن عبد الملك، إذ امتدت حدودها من أطراف الصين شرقاً، حتى جنوب فرنسا غرباً، وتمكنت من فتح إفريقية والمغرب والأندلس وجنوب الغال والسند وما وراء النهر. ولو قرأوا التاريخ الحديث (وتاريخ الولايات المتحدة كله حديث) لأدركوا أنه ما من زعيم سَلّم رقبته، وباع ذمّته لتلك الولايات المتحدة، إلا باعته في منعطف ما، فهي دولة "ما لهاش صاحب"، لأنها تعاني من "اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط"، الذي يميل المصاب به لتجاهل الضوابط والقوانين والأوامر ويصعب عليه الاندماج في البيئة المحيطة به، ويكون ميالا لممارسة الشغب، وهناك شواهد بالكوم بأنه ما من شغب شديد الدوي ووخيم العواقب في أي ركن من الدنيا إلا وكانت الولايات المتحدة اللاعب الأساسي فيه.      وعلى مدى نحو سبعين عاما، ظل العرب يتباكون لأن الولايات المتحدة هي الحليفة الكبرى لإسرائيل، بينما واقع الأمر هو أنها لا تحفل بإسرائيل كدولة ولا باليهود المقيمين فيها، بقدر اهتمام أحزابها ورؤسائها بكسب ود يهود الولايات المتحدة، والذين – رغم أنهم أقلية هزيلة مقارنة بالأمريكان ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية - إلا أن لهم نفوذا ضخما في دنيا المال والإعلام، ومن يخض انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة دون دعم من اللوبي اليهودي "ياكل هوا" ولو كانت الولايات المتحدة تحفل بأمر إسرائيل بالقدر الذي يتوهّمه العرب، لما سكتت، وهي ترى جميع حلفائها الأوربيين تقريبا يعارضون الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويطالبونها بقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة تكون جارة لها، فطالما أن اليهود الأمريكان لن يحملوها مسؤولية الضغوط الأوربية على إسرائيل، فواشنطن ليست قلقة من تلك الضغوط، وما قد تسفر عنه من نتائج (سبحان الله فالموقف الأوروبي اليوم من القضية الفلسطينية أكثر جسارة وحزما من المواقف العربية)