12 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتحار الذاتي للإخوان المسلمين (9)

08 يناير 2016

أزمة الإخوان المسلمين الحالية ناجمة عن عدم تحديد التخصص، فهم لم يحددوا لأنفسهم تخصصا دعويا أو سياسيا، فمؤسس الجماعة اعتبرها "عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف، ودعوة سلفية، وطريقة سُنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية". وهذا يجعل من فكرة الإخوان المسلمين أقرب إلى فكرة الدولة الشاملة، مما صعب على الجماعة إمكانية حل مشاكل المجتمع، فالجماعة تعتبر نفسها "دولة" دون أن تملك إمكانيات الدولة، وليس لديها سلطة لإنفاذ ما تريد إنفاذه في المجتمع، وبذلك حملت نفسها ما لا تطيق، فالدولة التي تملك الإمكانيات تصنع المشكلات والأزمات بدلا من حلها، فيما يطرح الإخوان المسلمون أنفسهم البديل لهذه السلطة أو حتى الدولة، لحل مشكلات الإنسان والمجتمع.المؤكد أن الإخوان المسلمين تمكنوا من تحقيق بعض النجاحات المحدودة خاصة على صعيد العمل الاجتماعي، رغم الصعوبات والتضييق والاعتقالات لأعضاء الجماعة، وقد تركز هذا النجاح في تقديم المساعدات الاجتماعية والإغاثة للفقراء والمساكين، ويبدو أن هذا النجاح كان مرسوما بدقة من قبل النظام الحاكم في مصر، وبعض الدول العربية أيضا، فالمساعدات التي يقدمها الإخوان المسلمون للفقراء خففت الاحتقان ضد النظام الحاكم، وهو دور لم تستطع أن تلعبه أجهزة الدولة الفاسدة، وقد أدت هذه السياسة إلى استنزاف مقدرات الإخوان المسلمين في معالجة أخطاء النظام، بدل استخدام المال من أجل الإطاحة به، وبالتالي فإن "السياسة الإصلاحية الترقيعية" للإخوان المسلمين صبت في مصلحة النظام الحاكم، بدل بناء القاعدة الثورية التي يمكن أن تشكل خطرا عليه، وكأن الإخوان المسلمين كانوا يجمعون التبرعات من أجل مساعدة النظام الفاسد. وفي المقابل سمح النظام الحاكم للإخوان المسلمين ببعض الحركة والتمثيل في البرلمان والنقابات والاتحادات تحت الرقابة الأمنية المشددة، وقد كان هذا ثمنا بخسا مقابل الفوائد الكبيرة التي يجنيها النظام الحاكم من "الإصلاحات الترقيعية" للإخوان المسلمين، كما استخدمهم أيضاً "معارضة منضبطة" لزوم الديكور "الديمقراطي الزائف" وتنفيس الاحتقانات الاجتماعية، وإيجاد المبررات لزيادة تمويل الجيش والأجهزة الأمنية والشرطية والأمن المركزي، وإقناع القوى الخارجية، الإقليمية والدولية، بتقديم مساعدات مالية مجزية، للحيلولة دون وقوع الدولة في أيدي الإخوان المسلمين، كما وفر ذلك مبررا من أجل إعلان حالة الطوارئ وسن قوانين الإرهاب والتضييق على الحريات العامة، وتوفير عدو "معقول" للتيارات اليسارية والليبرالية العلمانية، وفزاعة لإخافة المنتفعين إذا ما فكروا بالخروج عن النص.بالتأكيد إن الإخوان المسلمين استفادوا بدورهم من هامش الحركة الذي أتاحه النظام الحاكم، وتحولوا إلى قوة سياسية معتبرة، تمكنت من الحصول على 88 مقعدا في آخر انتخابات برلمانية قبل الثورة، وهو عدد كبير بلا شك، وتمكنوا من الهيمنة على بعض النقابات والاتحادات، واستطاعوا التمدد اجتماعيا عبر المؤسسات الخيرية والطبية والتعليمية والخدمية التي يديرونها، مما جعلهم قوة لا يستهان بها، لكنها قوة داخل الإطار العام للمشهد السياسي العام، وهو موقع لم يمكن الإخوان المسلمين من لعب أي دور للتغيير، لأنهم محكومون بقواعد اللعبة مع النظام الحاكم رغم العداوة العلنية بينهما، الأمر الذي وضع الجماعة في مأزق عدم القدرة على الحركة المؤدية للتغيير الشامل.