12 سبتمبر 2025
تسجيلأحد أهم وأبرز تفسيرات تراجع الحالة الحضارية في العالم العربي وشيوع الفوضى والتنافر والاستقطاب الحاد بين الجماعات الإثنية والدينية والسياسية هو غياب العمق الثقافي، وذلك طبيعي إذا ما علمنا تأخرنا في مؤشر القراءة بين شعوب العالم وضعف أدائنا الأكاديمي وانهيار دعم البحث العلمي، وغياب وتغييب المثقفين الحقيقيين عن المشهد الذي يسهم في صناعة رأي عام ناضج وواع.الوجود العربي في سلم التطور البشري يحتل مؤخرات التصنيف، وتلك حقيقة مؤلمة ومؤسفة، فالمثقفون أصبحوا، كما السياسيين وأصحاب اللحى، يتاجرون بالعمل الثقافي، وكثير منهم لا يمتلك المبدأ الذي يجعله مؤثرا ونافذا في العقل الاجتماعي، لأنه يتخذ من الثقافة مطية لمصالحه الشخصية في استقطاب المعجبين والمتابعين لبرامج دينية أو سياسية يتكسب منها، فيما ليست هناك ثقافة أصلا، وإنما المثقف بمثابة أعور في بلد العميان.الحالة الثقافية العربية من الضعف والانهيار بما يجعل الثقافة نشاطا ثانويا وليس أساسيا، وبالتالي لا يمكن إنتاج فعل حضاري مهم وذي قيمة على صعيد مجتمعاتنا أو مجتمعات العالم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وقد كشفت الثورات الأخيرة أننا لا نجيد صناعة التغيير الذي يفترض أن يكون للأفضل فصار للأسوأ، وإذا نظرنا إلى الحالة المصرية باعتبارها المهمة في هذا السياق، فإننا نتابع بأسى الطفح الذي يقدمه الإعلام والتجييش الساذج للمثقفين واصطفافهم من أجل مصالحهم، فأصبح الجميع منافقين وغير جديرين بالثقة الأخلاقية لصناعة رأي عام موضوعي.العبث بالحقائق لا يليق بالثقافة، وتزييف الوعي على النسق المصري يهوي بسلوكنا الثقافي إلى بئر سحيقة من السطحية الذي يأتينا بمن ليست لديهم علاقة بالثقافة ليتشدقوا ويهرفوا بكلام لا يدركون دلالاته غير نشر الفوضى وتغييب الجماهير عن الحقيقة والذهاب بهم كالقطيع إلى ما تريده قوة أعلى في الدولة، وما هكذا تصنع الثقافة أو تأتي بتغيير إيجابي وإنما هو انتقال من سيئ إلى أسوأ يعدي ما حوله ويؤخر النضج الاجتماعي والوطني.المثقفون مسؤولون أخلاقيا ووطنيا أن يكونوا موضوعيين وجديرين بأمانة الكلمة، سواء كانوا شعراء أو إعلاميين أو أدباء أو مفكرين، وحين يصبح الاتجاه السائد ميالا للمصالح الذاتية تضيع الشعوب والمجتمعات ويدخل الجميع نفق الصراعات المظلم، حتى مع طواحين الهوى التي قاتلها دون كيشون، أو بصورة أخرى إنتاج عدو وهمي والنفخ في عدائه دون حق، وذلك ما يفعله أولئك المثقفون الذين يطفحون عبر الفضائيات الرخيصة.