11 أكتوبر 2025
تسجيلفي خضم الأوضاع العراقية المضطربة، ومن وسط جحيم الحروب الأهلية والعشائرية السوداء تظل أشباح الحرس الثوري الإيراني لتكون أحد أهم احتمالات تطور الوضع العسكري والسياسي على خلفية ووقائع حرب الأنبار الساخنة التي دخلت اليوم في منعطف خطير للغاية لم يعد متعلقا بالشؤون العراقية الداخلية فقط بل أضحى ملفا إقليميا صعبا وحساسا. وما تناقلته الأخبار عن رغبة إيرانية في مساعدة الحكومة العراقية في معارك الأنبار والفلوجة وما سيتطور بعدها لم يكن سوى صفحة واحدة من صفحات الدور الإيراني الكبير والمتعاظم في العراق، فبرغم الإعلان الرسمي الإيراني عن استعداد طهران لتزويد العراق باستشارات عسكرية ولربما معدات معينة ونفيها لأي تدخل قد يتضمن إرسال مجاميع قتالية إيرانية!، إلا أن الوقائع الميدانية تؤكد فعلا ووفقا لشهادات حية من إقليم عربستان المحتل المحاذي للعراق من أن مجاميع مقاتلة إيرانية تابعة لقوات الحرس الثوري (باسداران) وتعبئة المستضعفين (باسيج) قد دخلت فعلا للعمق العراقي ومن منافذ حدودية مختلفة بدءا من الشلامجة ومن ثم البصرة وليس انتهاء بإيلام ومن ثَمَّ واسط وبغداد!!، وبأن تلكم التعزيزات العسكرية تضم عناصر مقاتلة ومدربة على حرب العصابات وتمتلك تكتيكات قتالية خاصة!! وهو تطور خطير يعمق الشرخ المجتمعي/ الطائفي في العراق، ويرسم حدودا واسعة لتدخل الحرس الثوري في المجال الحيوي العربي في الشرق الأوسط، فقوات الحرس متواجدة في عمق الأراضي السورية، كما أن لها وجودها في لبنان!، وتواجدها التدريجي والمكثف في العراق المضطرب يرسم ميدانيا خريطة توسع عسكري إيراني فريدة وجديدة ولربما تكون حالة استنزافية مرهقة لإيران أكثر من حالة زهو وقوة وهمية!!، فالواقع إن الوجود العسكري الإيراني المباشر في العراق له وجوه عديدة مخفية تحت ركام الأحداث والتطورات منذ أن نجح التفاهم الإيراني/ الأمريكي في تنصيب حكومة عراقية في بغداد أطرافها الرئيسيون في واقع الأمر من رجال المشروع الإيراني التاريخي والقديم في العراق، فالحكومة يقودها حزب الدعوة وهو واحد من أقدم الأحزاب الطائفية التزاما وولاء بمرجعيته الإيرانية رغم انقسامه لفروع ومسميات عديدة لا يمثل نوري المالكي إلا فرعا واحدا منها بينما تتواجد الفروع الأخرى الأشد ولاء في مؤسسة الرئاسة (نائب الرئيس الملا خضير الخزاعي)!، وفي المؤسستين الأمنية والعسكرية (المخابرات وقوات الدمج)!!، كما أن أبرز عناصر فيلق القدس للحرس الثوري من العراقيين وهو الإرهابي المعروف وبطل تفجيرات الكويت عام 1983 المدعو (جمال جعفر محمد الإبراهيمي) يعمل بشكل حثيث ويقود تنظيم عسكري إيراني في عمق المنطقة الخضراء ووفق برنامج سري غير معروف للملأ، كما أن الوجود الاستخباري والحرسي الإيراني ظاهر للعيان رغم الحرص الشديد على إخفائه، والتحرك العسكري الأخير لنوري المالكي نحو الأنبار وتوجهه المعلن لإنهاء الإعتصامات الجماهيرية بالقوة المسلحة أمر لم يكن ليحدث أصلا لولا المشاورات المكثقة التي أجراها مع الجانب الإيراني وقبله الأمريكي خلال زيارتيه الأخيرة لواشنطن وطهران والتي كانت حصيلتها التطورات الأخيرة التي شرشحت المالكي وحكومته وقواته وأبرزت نقاط الضعف الخطيرة في المؤسستين الأمنية والعسكرية في العراق وبنيتهما الهشة برغم الإمكانات التسليحية والمادية الهائلة المتوفرة، ولكن الافتقار للقيادة العسكرية المتمكنة وليست المترهلة، وانعدام كفاءة الإدارة السياسية والتخبط الفكري والسلوكي قد أنتجت كل هذا الكم الهائل من التردي الذي جعل مجاميع كبيرة من الجيش والشرطة العراقية تهرب بالدشاديش من ساحة المعركة في منظر يمثل قمة الكوميديا العراقية السوداء وبما يعبر عن حالة الهرجلة والفوضى السائدة في العراق الذي يئن تحت حكم الفاشلين والهواة وعديمي الخبرة في شؤون الستراتيجيا والتكتيك وإدارة الصراع، الإيرانيون اليوم باتوا في حيص بيص حقيقي أمام محنة حلفائهم في العراق وأزمة ومأزق حليفهم الأكبر في الشام الذي يواجه ثورة شعبية ساحقة باتت مؤشرات إنتصارها النهائي واضحة ومرتسمة في الأفق وبما يعني هزيمة عسكرية وسياسية كبرى للدور الإيراني في الشرق القديم بأسره، واحتمالات تدخلهم العسكري المباشر في العراق ستقلب قواعد اللعبة وتحولهم لقوة احتلال علنية ومفضوحة وهو ما سيفتح أبواب وتطورات ميدانية هائلة في العراق ولربما سيؤسس لتحالفات وطنية عراقية تقلب المائدة على رؤوس أهل المشروع الإيراني الذين يواجهون اليوم شد لحظاتهم قتامة وسوداوية، الإيرانيون اليوم وأمام محنة حلفائهم التاريخيين وفشلهم في إدارة فصول الصراع العراقي المتعاظم هم في طريقهم بكل تأكيد لتوسيع تدخلهم في العراق عبر إرسال المزيد من قوات الدعم العسكرية والتي لن يكون مصيرها مختلفا عن مصير قوات الاحتلال... كل الرؤى والتصورات وحتى الخرافات والغيبيات تتصارع اليوم في الساحة العراقية، واستباحة الحرس الثوري الإيراني للعراق سيكون أشد فصول المحرقة العراقية خطورة.! فهل يفعلها الإيرانيون لتشتعل داحس وغبراء عراقية بلون جديد؟ أم سيكتفون بالتفرج والمشورة من بعيد؟.. كل الاحتمالات مفتوحة وممكنة!