21 سبتمبر 2025
تسجيلالتواضع من الصفات الحسنة التي يتمتع صاحبها بحب الناس واحترامهم، كما أنه دليل على الثقة بالنفس، وعدم انحراف الذات في الانسياق وراء الرغبة في الحصول على نصيب وافر من المديح والإطراء والتبجح أمام الآخرين، دون وجود ما يسند ذلك على أرض الواقع، لذلك قيل (من تواضع لله رفعه) ومع ذلك نجد صفة التبجح لدى بعض المسؤولين الذين يسرهم ويدغدغ مشاعرهم التلاعب بعواطف الناس واختلاق البطولات والمنجزات التي لا توجد إلا في خيالهم، وبذلك يثبتون ما يقوله القائل: (اِكذب حتى تصدق نفسك فيصدقك الآخرون) مع أن طريق الادعاءات الباطلة وعرة وغير مأمونة، وربما أدت إلى خلاف ما هو متوقع، عندما يكشف الواقع زيف تلك الادعاءات وكذب أصحابها، مع أن الإنسان إذا قدم نفسه على حقيقتها لن يسيء ذلك إليه، بل سيزرع الثقة به في نفوس الآخرين، ويدعوهم لاحترامه وتقدير صراحته، لكن مَن مِن المسؤولين يرغب أن يظهر على حقيقته؟ والداء العضال لدى معظم المسؤولين أنهم عندما يتحدثون وعندما يصرحون وعندما يظهرون على شاشات التلفزيون، لا يتورعون عن الحديث عن مشاريع ضخمة مما نفذ أو سينفذ، وفي الواقع لا يوجد ما هو منفذ، ولا ما هو سينفذ، وإنما هي أحلام اليقظة التي لا يفيقون منها ليعترفوا بواقع خالٍ من كل ما يذكرون، أما إذا كانوا يتحدثون عن مشروع بعينه، فإن المبالغة التي لا تعرف التواضع هي الأسلوب الذي يضخم ذواتهم، قبل أن يضخم مشاريعهم، وتمر الأيام لتكشف أن تلك المشاريع الضخمة هي مشاريع قزمة بالقياس إلى ما يحتاجه المواطن من تلك المشاريع، هذا إذا لم تتعثر تلك المشاريع، فتحتاج إلى مشاريع إنقاذ أخرى، ربما كلفت أكثر مما كلفته تلك المشاريع، بسبب سوء التنفيذ، أو الرشا، أو فساد الذمم، وهي علامات أصبحت بارزة في تاريخ معظم المسؤولين الذين لا يستحضرون المصلحة العامة، بقدر ما يهتمون بأنفسهم، ومعروف ما يكتنف تنفيذ أي مشروع ضخم من تلاعب واستغلال للنفوذ، والمواطنون أمام ذلك، عين بصيرة ويد قصيرة، وهذا ما يقود الأمور من سيئ إلى أسوأ. المسؤولون ليسوا أصحاب المناصب الرسمية، ولكن المسؤولين أيضا في المؤسسات والشركلت الكبرى، فكلهم (في الهم شرق) وكأن العدوى قد انتقلت من أولئك إلى هؤلاء المسؤولين، رغم ديمقراطية الجمعيات العمومية في تلك المؤسسات، ورغم حرية الانتخابات، حيث لا يصل أحد إلى القيادة إلا عند حصوله على الأصوات التي تؤهله لذلك، فإذا صعد إلى الكرسي، نسف كل أقواله دون تردد، ولجأ إلى الممارسة الدكتاتورية لتمرير ما يوافق هواه من القرارات، التي قد تمس بالضرر غيره من البشر، ولتغطية ما بدا من سوأة التقصير، لا يجد سوى تضخيم الذات، وتضخيم ما أنجز من أعمال، وادعاء البطولات في إنجازاته الضخمة التي لا وجود لها سوى في مخيلته. وللحد من تضخيم الذات لا بد من رقيب يحاسب ويدين، يحقق ويقضي، يسائل ولا يتجنى، وهذا لن يتحقق إلا بوجود مؤسسات المجتمع المدني القادرة ـ وحسب القانون ـ على مساءلة المقصرين المتبجحين، والحد من نزقهم وشططهم في حب الذات، وإصرارهم على الكذب على المواطن. وقد بلغ عدد المتبجحين العرب حداً لم يبلغه من قبل، ولا أظن أنه سيبلغه من بعد. [email protected]