14 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر عام 2011 الأسوأ اقتصاديا منذ الكساد العظيم في بداية القرن الماضي، فبعد عام من الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بدأت اقتصادات بعض بلدان العالم وكأنها تعود تدريجيا إلى طبيعتها، خصوصا بعد الإجراءات الجماعية التي اتخذت على المستوى العالمي ومن قبل المنظمات الدولية، كصندوق النقد الدولي. وللأسف، فإن الكثير من التوقعات المتفائلة في ذلك الوقت لم تتحقق، بل وازداد الأمر سوءا مع انضمام بلدان منطقة اليورو لدائرة الخطر لتتراكم الديون وتبلغ مستويات قياسية فاقت قدرة الكثير من البلدان على السداد وتحمل تبعاتها المؤلمة. ومع أن البلدان التي ما زالت صامدة حتى الآن، كألمانيا وفرنسا ضخت مليارات من اليورو سواء من خلال صندوق الإنقاذ الأوروبي أو من خلال صندوق النقد الدولي، إلا أن هذه البلدان والمصارف التابعة لها معرضة لتخفيض أوضاعها الائتمانية من قبل وكالات التصنيف العالمية، مما قد يحدث المزيد من الفوضى في الأسواق ويعرض منطقة اليورو والاقتصاد العالمي لهزات جديدة في عام 2012. لذلك فقد أصبح من المهم استشراف الآفاق المستقبلية للأوضاع الاقتصادية في العالم والتي لن تكون متشابهة في كافة البلدان والتكتلات الاقتصادية، حيث يعتبر ذلك أمرا مهما للمستثمرين ومتخذي القرارات الاقتصادية والسياسات الاستثمارية. وإذا ما تطرقنا لمنطقة اليورو، باعتبارها مركز الأزمة في الوقت الحاضر، فإن كافة الدلائل تشير إلى أن معاناتها سوف تستمر في العام الجديد، إلا أن سياسات التقشف التي اتخذت حتى الآن سوف تؤدي إلى التحكم بصورة أكبر في عجز الموازنات، كما أن الدعم المالي من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه سوف يساهم على أقل تقدير في وقف تدهور الأوضاع المالية، مما سيبعد شبح انهيار العملة الأوروبية واستعادة أهميتها بصورة تدريجية، علما بأن خروج بعض بلدانها من اليورو سيبقى قائما إذا لم تتمكن هذه البلدان، وبالأخص اليونان التي ما زالت تسودها الإضرابات وعدم الاستقرار من تحسين أوضاعها الاقتصادية باستغلال الفرصة الذهبية التي تتوفر لها بفضل عضويتها في العملة الأوروبية. أما الولايات المتحدة، فإنه رغم تصاعد استغلال الأوضاع الاقتصادية وتسخيرها لأهداف انتخابية في عام 2012 إلا أن الاقتصاد الأمريكي سيمر بحالة من عدم اليقين، وبالأخص بسبب ارتباطه القوي بأوضاع شقيقه الاقتصاد الأوروبي المصدر للأزمات غربا وشرقا في الوقت الحاضر. من هنا قالت "وول ستريت جورنال" في عددها الصادر نهاية الأسبوع الماضي إن الاقتصاد الأمريكي يستعد لاستقبال عام آخر من التخبط وأن معدل النمو لن يتجاوز 2%. وستبقى البلدان الصاعدة سيدة الموقف الاقتصادي في العام الجديد وستحقق معدلات نمو مرتفعة وستبذل المزيد من الجهود لمساعدة البلدان الأوروبية والتي تشكل أسواقها منافذ مهمة لصادرات البلدان الصاعدة، إلا أنها ربما تصاب ببعض التأثيرات السلبية لتدني معدلات التنمية في أوروبا والولايات المتحدة، كما أن عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، مما سيؤثر على معدلات النمو في الصين والهند بصورة أساسية. وفي البلدان العربية، فإن إطالة عمر الربيع السياسي العربي سيؤدي بدوره إلى إطالة خريفها الاقتصادي وستحتاج مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا إلى استثمارات كبيرة لتتمكن من إعادة النشاط لاقتصاداتها المتدهورة بفعل الأحداث السياسية. في مقابل ذلك ستنضم دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى البلدان الصاعدة في تحقيق معدلات نمو مرتفعة في عام 2012 حيث يتوقع أن يتجاوز متوسط النمو في دول المجلس حاجز 5%، مدفوعا بارتفاع عائدات النفط وبنمو القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وبالأخص الصناعات التحويلية والتجارة والقطاع السياحي والنقل. وفي الوقت نفسه سيرتفع الإنفاق الحكومي في دول المجلس، بما في ذلك في قطاع الإسكان وسينمو سوق العمل وستتوفر المزيد من الوظائف في القطاعين الحكومي والخاص، مما سيقلل من الانعكاسات السلبية لأزمة منطقة اليورو على الاقتصادات الخليجية والتي ستتعزز روابطها التجارية مع بلدان آسيا. ومع أنه توجد بعض المخاوف الخاصة بالأوضاع الأمنية في منطقة الخليج العربي بسبب تصاعد التوترات بشتى أشكالها، إلا أن منافذ صادرات النفط الخليجية أصبحت أكثر تنوعا مع افتتاح خط تصدير النفط بين أبو ظبي والفجيرة على بحر عمان. والحال، فإن الاقتصاد العالمي برمته في عام 2012 سيعاني من تقلبات متواصلة وستعاني الأسواق المالية من تذبذبات حادة قبل أن تستقر إذا ما تمكنت بلدان العالم ومؤسساته المالية من التعامل بمرونة للتغلب على العديد من الأزمات، وبالأخص أزمة منطقة اليورو.