05 نوفمبر 2025
تسجيلالاعتصام بالله هو أساس الترابط والتوحُّد بين أبناء أمة الإسلام؛ لذلك تجد هذا الدين من أكثر الأديان دعوةً إلى الترابط والتماسك ونبذ الفُرقة والاختلاف؛ ولأن النظام الاجتماعي السليم لا يكمُل إلا في ظل الوفاق والوئام فيما بين أفراده، وأحوال الناس لا تصلح إلا مع التعاضد والتعاون والتعاطف والتآلف. ويعلم العقلاء أن القوة لا تكون إلا مع التقارب والترابط والوحدة بين المسلمين، وأن الذلة تكمُن في الفُرقة، فالوحدة تعد رمزًا للقوة، وتبث الرعبَ والمخافة في قلوب الأعداء؛ ولذلك يقول العرب في الأمثال: "المرء قليلٌ بنفسه، كثير بإخوانه". •ولأهمية أمر الاعتصام بحبل الله المتين والتمسك بالوحدة؛ وجَّه الله عزَّ وجلَّ النداء في كتابه للمؤمنين فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103]. فتوضح هذه الآيات العظيمة أن ملازمة التقوى حتى الموت من أجل الأمور يليها الاعتصام بحبل الله القوي ونبذ الفُرقة والاختلاف والقضاء على التنافر والشقاق وهو سبيل المؤمنين والمتقين كما وصفهم ربهم سبحانه بذلك، ويذكرنا سبحانه في ختام الآيات بنعمة الأُخوَّة التي أنعم الله علينا بها بعد العداوة. والأخوة الإيمانية هي التي تربط بين القلوب، وتجمع بين الجهود، وتوحِّد بين الصفوف، وتسمو فوق الرغبات الشخصية والأنانية الفردية، كما تتجاوز الخلافات الهامشية والقضايا الجانبية؛ لأن أصلها المكين وأساسها المتين هو العقيدة الواحدة (التوحيد)، والقدوة الواحدة (الرسول صلى الله عليه وسلم)، والمنهج الواحد (الإسلام)، وكلها تعصم من الوقوع في الفُرقة والاختلاف، ولو تأمَّلنا جميعا تشريعات الإسلام نجدها دعوةً عمليةً دائمة للوحدة؛ فالأمة المسلمة تصوم شهرها في وقت واحد، وتؤدي نُسُكها في زمان ومكان واحد بهيئة واحدة، وفي كل يوم يستجيب المسلمون لنداء واحد في صف واحد خلف إمام واحد، في صفوف قد تراصت، فلا خلل بينها ولا اعوجاج فيها، كل هذه من مظاهر الوحدة، يُذكِّرنا بها ديننا في كل تشريعاته حتى نتمسَّك بها ولا نتفرَّق لأي سبب كان مهما عَظُم؛ لذلك فقد فَطِن أعداء الإسلام إلى أهمية الوحدة وتأثيرها فعملوا على تمزيق الوحدة بين المسلمين، وإشاعة الفُرقة في صفوفهم، فحوَّلوا دولتهم الواحدة إلى دويلات، وسلطوا على عقيدتهم الراسخة البدع والخرافات، ونشروا في مجتمعاتهم أسباب الفساد والانحرافات، وبدَّلوا شريعتهم الواحدة بقوانين مختلفة، وتشريعات وضعية متباينة، ثم أدخلوا آراء واجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان؛ فكانت النتيجة هذا التباعد المُخيف والفُرقة المُحزنة على مستوى الدول والمجتمعات والجماعات، بل والأسر والعائلات. •لذا يجب أن تكرَّس جهود العلماء والدعاة المخلصين والمثقفين وأصحاب القرار، للتأكيد على أهمية الوحدة، وضرورة التمسُّك بها وتطبيقها، مع الحرص على البحث عن أسباب الفُرقة، وبيان مخاطرها وأضرارها. ولا بد أن تتضافر الجهود في منهج متكامل لهذه الغاية وذلك عبر المناهج التعليمية، والوسائل الإعلامية، والخطب والندوات والدروس العلمية، والكتب الثقافية وغيرها؛ فالأمر يستحق كل ذلك وأكثر. •اللهم اجعلنا ممن اعتصم بحبلك المتين وألِّفْ بين قلوب المسلمين، وجنِّبْنا الفُرقة والاختلاف والتنافر والشقاق وسوء الأخلاق. اللهم آمين