13 سبتمبر 2025

تسجيل

مطر مطر

07 ديسمبر 2014

المطر أبيض في الخارج والشام حمراء.. كيف لا أكتب بل أنكتب وأمامي هذا الشاسع من فراغ؟! كيف لا أُطرّز طرحة عرس تليق ببهاء الأرض وزهوة النفس؟! للمرة الأولى أفقد صلتي الحميمة مع الركض خلفاً إلى مواقع الطفولة، كان المطر يستفزها ويزورها في كل موسم وحنين! كيف يصير المطر نتفاً من الروح تلامس الأرض ولا تضمها، كبريطاني يضع قبلة على خدّ من تلاعبه الشطرنج! يقهرني المطر ويبكيني.. كأن مراكز التذوق والمتعة في مخيلتي توقفت عن عملها وصدئت، كأنني دخلت في موت سريريٍ طويل.. من حوّل المطر إلى حالة فيزيائية بحتة، كمن يقود مركبة على شاشة الأتاري؟! من سَحَب لونه المفعم بقطن الحنين وزغب التوهج؟! من حوّله الى سائل شامبو من النوع الرديء؟! من تدخّلَ في هطله وأشعل فتيل الخلاف بين قطراته؟! لماذا لم يعد يهطل على قرميد أيامنا وأحلامنا؟! من قصف الغيوم فتطاحنت وسقطت على الدنيا نتفاً من بقايانا؟! كيف يصبح المطر حالة خلافية تنصب العداء في سماء ليست له؟! وتُهجّر الغيم الأصليّ ليهطل جثثاً من أطفالنا على الطرقات؟! عصبية أنا اليوم لأن التآمر وصل إلى المطر في السماء.. عصبية أنا اليوم لأن المطر لم يستطع أن يحرّك أمة مستدفئة بأخشاب ذلّها ونفط شرايينها.. تستمتع بحرق كرامتها المكوّمة مع قرامي الحطب.. بيوت من سنيّ أعمارنا تصرخ وتستصرخ.. دمى منومة تتفرج على بيوت تُهدم قصفاً.. أطفال في العراء.. وضمائر الكون تنسحب إلى جحور القنافذ. مطرٌ مطر وأنا أهطل قهراً ومرارة.. أُطبقُ أسناني على بلادة الكون وحيادة المجرم.. مطر مطر وسفن قرصنها الموج والبحر يصرخ بالغرقى: هذا حقكم بالعيش.. لكن الأنفس تضع كمامات الخوف وتتنصل من الانتماء الى ماء الحياء. مطر مطر وشعوب تُقاد إلى المغاسل المخصصة لتنظيف أدمغتها وجلودها، تماماً كما يفعلون بالكلاب الأليفة عند اقتنائها.. الفارق بسيط حيث تُغسل الكلاب بالماء، والبشر بالحديد والنار. آه يا مائي من المحيط إلى الخليج، آه يا دمعتي.. بأيّ وجه ستقابلون المطر المنتحر على أرضكم؟! لماذا أنت مُطارد يا مطر هل وصلت إليك تهمة الإرهاب؟! هل وضعوا بياضك على اللائحة السوداء فانفضّ الجميع من حولك؟! إهطل أو لا تهطل.. سيان. كم تمنيت أن أقول لك: تعال أقاسمك الهموم تعال.. اذهب ولا تعد أرجوك. قاهرٌ أنت كبياضك، بارد أنت كالعدسات اللاصقة، ظالمٌ أنت كزماني.. لم تعد يا قاتلي اليوم صديقي.