14 سبتمبر 2025

تسجيل

سر تحليق الطيور "1"

07 ديسمبر 2012

لقد أبدع الخالق عز وجل بحق في خلقه، وعندما ننظر إلى ملكوته ومخلوقاته نجد ذلك واضحا وضوح الشمس، ولو حددنا حديثنا حول مجال الطيران فإن الطيور والحشرات الطائرة هي محور ذلك الحديث. فمنذ أن بدأت مسيرة البشرية لم تفتأ أي حضارة بشرية إلا وذكرت مدى انبهارها بالطيور المحلقة في السماء، حتى أن بعضها (تلك الحضارات) اتخذت من بعض الطيور رمزا لها ولا يزال ذلك حتى يومنا هذا. لكن أيا من البشر اليوم لم يتبادر لمخيلته أن الحقيقة تثبت انه لا يزال الطيور، وحتى الحشرات الطائرة تتفوق في كفاءة تحليقها على أحدث الطائرات الموجودة في الخدمة الفعلية، ولكن أين موضع التفوق هنا؟ انه يتمحور حول الجناح فأجنحة الطيور والحشرات الطائرة تتحرك وتغير من زاويتها بينما في الطائرات لا يتم ذلك.. وهذا ما سيقودنا نحو الخوض في الاختبارات الأخيرة حول صنع جناح يخفق ويرفرف تماما كأجنحة الطيور. بالعودة إلى بداية عهد البشرية بالطيران، سنجد أن الأخوين رايت وحتى الذين قبلهما، امضوا وقتا طويلا وهم يتأملون الطيور وهي تحلق في السماء، وهذا ما ساعدهم على ان يطبقوا بعض ما شاهدوه في صنع آلة تمكنهم من مشاركة الطيور التحليق في الجو. لكن الحقيقة أبرزت أن البشر منذ البداية اغفلوا دراسة كفاءة الجناح لدى طائراتهم، واستخدامه بالصورة الأمثل لتحسين أداء طيران طائراتهم. فحتى يومنا هذا لا توجد مركبة جوية تضاهي في كفاءة تحليقها كفاءة أصغر وأبسط أنواع الطيور ناهيك عن الحشرات الطائرة. إن الأجنحة المستخدمة في الطائرات الحالية، مهما بلغت من التطور فهي من الناحية العملية ثقيلة، معقدة، وغير فعالة. ولكي نثبت ما سبق سندخل في تفاصيل أدق حول ميكانيكية عمل أجنحة الطيور وسواها من الكائنات الحية المحلقة. يقول الخالق عز وجل {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ }الملك19. في هذه الآية وقفة ذات عبرة عظيمة، حيث يصف الخالق سبحانه وتعالى لبني الإنسان على لسان نبيه الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، تكنيكا مهما من تكنيكات تحليق الطيور، وتعريفا لقانون الرفع، ففي كلمة «صافات» يصف حركة أجنحتها عند التحليق عندما تنشر أجنحتها في التحويم أو التحليق وهي خاصية تتم الاستفادة بها من التيارات الهوائية الصاعدة بسبب الاختلاف الحراري أو وجود مرتفعات وغيرها، و«يقبضن» عند تغييرها لزاوية أجنحتها في الانقضاض والمناورة وفي «ما يمسكهن» أي في الجو وهنا قانون الرفع حيث يتولد عند تحرك الهواء بسرعة على مقطع هوائي انسيابي أي سطح انسيابي رافع، انخفاض في الضغط فوق سطحه العلوي، مما يؤدي إلى حدوث امتصاص وهو ما يمسك الجناح أو السطح الرافع إلى اعلى. منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا عندما تهاجر الطيور وتحلق في السماء لتقطع مسافات طويلة، تتخذ شكلا منتظما يشبه كثيرا حرف V أو المثلث وبالرغم من غرابة هذا الشكل، إلا أننا ألفناه، وقد حاول العديد من الناس تفسيره، وكان التفسير التقليدي أن مثل هذا التشكيل لسرب الطيور يسهل عملية التواصل بين الطيور المهاجرة وخصوصا مع قائد السرب فهي بالتالي تتبع أوامره وحركته في الجو. لكن هذا التفسير لم يقنع العلماء، فاستغلت قوانين الديناميكا الهوائية لمعرفة السبب وتمت دراسته مثل هذا التشكيل بواسطة أحدث أجهزة الحاسوب والتي أجرت محاكاة لعملية طيران تلك المخلوقات التي تقطع مسافات طويلة في السماء. السبب الحقيقي في تحليق الطيور المهاجرة على شكل حرف V هو أن الطيور المهاجرة تحلق على شكل حرف V لكي تستفيد قدر الإمكان من مجمل الاضطراب الهوائي الذي يشكله السرب كاملا وبالتالي تقلل من الجهد الذي يجب بذله، يعني ذلك أن كل طائر عندما يضرب بجناحيه الهواء يولد طاقة تساعده على التحليق كما تساعد الطائر الذي يليه، مما يمكن كامل طيور السرب من التعاون في عملية الطيران. الدراسات بينت أن هذا التشكيل في الطيران يمكن كامل السرب من قطع مسافة تبلغ 71 % أكثر مما لو طار الطائر منفردا، وقد وجد الباحثون انه عندما يخرج طائر من هذا التشكيل ولدى إدراكه لحجم الحمل والسحب الهوائي الذي وقع به، يعود في الحال إلى مكانه ضمن السرب. وهكذا فان قوانين الديناميكا الهوائية تقدم لنا تفسيرا منطقيا وعلميا للسبب في تحليق الطيور المهاجرة على شكل حرف V والذي تلجأ بعض الطائرات المحلقة أثناء الاستعراضات العسكرية إلى اتخاذه كناية عن التنظيم والالتزام بأوامر قائد السرب المحلق بطائرته في المقدمة. كم سيطول بكَ التحليق يا طيري؟ أتراكَ تَنشُدُ من الأقفاص غيري! لن أملَّ انتظارا أو ينفذ صبري هكذا طبعي - طول الآمال