12 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة أبو ظبي وزمن العطية

07 ديسمبر 2010

انطلقت بمدينة أبو ظبي وقائع القمة الخليجية الواحدة والثلاثين معلنة قدرة منظومة مجلس التعاون - التي انطلقت قبل تسعة وعشرين عاما بالمدينة ذاتها في عهد الراحل الوحدوي العظيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -على امتلاك ناصية الاستمرار والفعالية ضمن سياق من التدرج والتأني والحركة المحسوبة لتجنب ما يمكن وصفه بالآثار الجانبية لأي قرار وهو ما يعكس بعد الحكمة الذي تتسم به ذهنية النخب الخليجية السياسية التي تتصدر صناعة القرار بعيدا عن الشطط رغم أن ذلك أوقع المنظومة - وفق رؤية البعض - في فخ التباعد عن التماس مع الواقع الذي يعيشه مواطنو دول المجلس وإن كان العقد الأخير قد شهد حراكا نوعيا باتجاه التغلب على هذه المعضلة خاصة مع تبوء عبدالرحمن بن حمد العطية موقع الأمين العام لمجلس التعاون في شهر أبريل من العام 2002 والذي أضفى على أداء الأمانة العامة خلال هذا العقد قدرا غير مسبوق من الحيوية ينهض على منهج علمي في التخطيط ووضع الآليات للتنفيذ مع استيعاب المتغيرات الإقليمية والدولية وحاجات كل دول عضو فضلا عن الحاجات الجماعية للدول الست. ولاشك أن هذه القمة الدورية باتت تشكل ملمحا إيجابيا على صعيد العمل الخليجي المشترك فهي تمثل إطارا مؤسسيا يجمع قادة دول المنطقة مرة كل عام وإن كانت السنوات الخمس الأخيرة قد أضيفت إليها قمة تشاورية في مايو من كل عام يغيب عنها الطابع الرسمي والبرتوكولي الذي تتسم به القمم السنوية وهو ما يوفر دون شك مجالا حيويا لطرح كل قضايا إقليم الخليج بصراحة وشفافية وفق التقاليد الموروثة فضلا عن المهددات التي يمكن أن تؤثر على استقراره ووضع التصورات التي تحمي المنجز التنموي الذي تحقق على مدى العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة منذ حصول دول المجلس على استقلالها. وأظن أن منظومة مجلس التعاون - رغم كل ما يوجه إليها من ملاحظات أو تحفظات من هنا أو هناك - شكلت جدارا قويا لحماية الدول الأعضاء الست فيها من كثير من السقطات الأمنية والسياسية بل والاقتصادية بحكم حالة الالتفاف الشديد من هذه الدول حول جملة من القواعد والمحددات التي تقوم بالأساس على الاحترام المتبادل والندية والحوار والعقلانية في أدارة ما ينشب من أزمات إقليمية حادة والتي كانت في مقدمتها الحرب العراقية الإيرانية التي اندلعت في العام 1981 وتأسس مجلس التعاون من أجل حشد الجهد الخليجي لاحتواء تداعياتها الأمنية والتي شكلت آنذاك مصدر خطر واضح وقد نحج في ذلك أيما نجاح ثم خلال الغزو العراقي للكويت في العام 1990 والذي وقفت فيه دول المجلس موقفا بناء أسهم في إجهاض نتائج هذا الغزو بالتعاون مع ما سمى بالتحالف الدولي في تلك الفترة وأخيرا جاء الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 والذي تمكنت منظومة مجلس التعاون من التعامل مع آثاره الإقليمية بقدر كبير من الحرفية حالت دون تمددها إلى داخل دولها الأعضاء على نحو أو آخر وإن كانت بعض هذه الآثار قد تجلت في بعض الاختراقات التي حاول تنظيم القاعدة القيام بها في بعض دول المجلس وهو ما تنبهت إليه وكثفت معه جهودها المشتركة للقضاء عليها ولن تخرج قمة أبوظبي عن المحددات السابقة فهي ستمثل - كما يقول الأمين العام عبدالرحمن بن حمد العطية لكاتب هذه السطور - نقطة تحول في التعامل مع مختلف الملفات التي ستطرح على القادة في ضوء ما تم أعداده من تقارير وتوصيات المجلس الوزاري واللجان الوزارية المتخصصة تتناول كل مفردات العمل الخليجي المشترك وما يتعلق بالمحيط الإقليمي والقومي وبل والعالمي والذي يلقي بظلاله على المنطقة بدون شك ومن ثم فإن المرء يتطلع إلى أن يقر القادة سلسلة من المقترحات التي تقدمت بها الأمانة العامة لمجلس التعاون والتي من شأنها أن تفعل المواطنة الخليجية لتعميق الترابط بين مواطني دول المجلس وإقامة ما يمكن تسميته بالمصالح والمنافع المشتركة والمتبادلة والتي تشكل جوهر نجاح أي صيغة وحدوية أو تكاملية بعيدا عن لغة العواطف والمشاعر والتي هي قائمة بالأساس نظرا لما يربط هؤلاء المواطنين من أواصر حضارية أصيلة في منطقة كانت إلى وقت قصير - ربما لا يتجاوز القرن - خالية من تعقيدات الدولة الحديثة خاصة فيما يتعلق بالجنسية والتنقل والعمل والإقامة وهو ما تهدف التوصيات التي تقدمت بها الأمانة العامة لقمة أبوظبي إلى تجاوزه فالنجاح على هذا الصعيد من شأنه أن يدفع اتجاهات الرأي العام في المنطقة إلى المزيد من الإيمان بهذه المنظومة والانتماء إليها بل والدفاع عنها إن تطلب الأمر ذلك ولاشك أن مجلس التعاون لم يقم لمجرد أن يستمر، بل لكي يتطور ويحقق أهدافه في الاندماج الاقتصادي والأمني والسياسي وهو أمر يستوجب ضرورة تقديم المصلحة الجماعية على المصالح الوطنية حسب ما يؤكده عدد من النخب الفكرية المنطقة الذين يتطلعون إلى مرحلة مغايرة تفضي إليها قمة أبو ظبي لمسار المنظومة الخليجية التي يتعين عليها أن تحقق نقلة نوعية وبالذات على صعيد إنهاء ملف معوقات الاتحاد الجمركي الذي بدأ تطبيقه منذ أربع سنوات صحيح والذي رغم أنه مازال في مرحلته الانتقالية فقد نجح في زيادة التبادل التجاري بين دول المجلس بنسبة نمو تعدت 20% سنويا وأهمية هذا الاتحاد تكمن في أنه بمقدوره أن يعظم من فوائد السوق الخليجية المشتركة فضلا عن المساعدة في تسهيل التبادل التجاري مع العالم الخارجي من خلال تخفيض التعريفة الجمركية وتبسيط وتوحيد إجراءات الاستيراد والتصدير بالإضافة إلى التوصل إلى تهيئة برامج سياسية واقتصادية ومالية مشتركة والإسراع بإعلان مشروع العملة الموحدة الذي يواجه بالفعل تحفظات بعض دول المجلس وهما سلطنة عمان ودولة الإمارات وإن كان المأمول أن تتخلى الأخيرة عن تحفظاتها وتقدم على مفاجأة الانضمام إلى المجلس النقدي الذي يعد لهذا المشروع الذي سيدفع منطقة الخليج إلى آفاق حقيقية من التعاون الصلب يتناسب مع طموحات مواطنيها. وثمة ما أود الحديث عنه وأنا بصدد قمة أبو ظبي والتي ستكون آخر قمة يحضرها سعادة السيد عبدالرحمن بن حمد العطية باعتباره أمينا عاما لمجلس التعاون فقد ارتبطت به شخصيا ليس على مدى السنوات التسع المنصرمة التي تولى فيها هذا الموقع الرفيع المستوى ولكن منذ أن كان سفيرا في باريس مرورا بعودته إلى الدوحة وصعوده في وزارة الخارجية حتى عينه سمو الأمير وزيرا للدولة وهو ما قد يدفع البعض إلى التجريح في شهادتي بشأن أدائه خلال العقد الأخير غير أن ذلك لن يجعلني أتجاوز الحقيقية عندما أقول إن العطية تمكن من وضع بصمته على أداء منظومة مجلس التعاون الخليجي وكسب احترام القادة والوزراء ومختلف شرائح النخب السياسية والفكرية والتي كان يستعين بها لتقييم حركية وفعالية الأمانة العامة والدفع بها إلى فضاءات أرحب خاصة على الصعيد العملي لذلك فانه نجح في الإعداد الجيد لعشر من القمم الدورية الرسمية بعواصم الخليج المختلفة فضلا عن خمس تشاورية بالرياض تميزت جميعا بالنتائج التي تناغمت مع أحلام الناس في المنطقة وحققت مقاربة كانت ضرورية لهبوط مجلس التعاون من سقف الملفات الأمنية والسياسية إلى أرض الواقع الإنساني والتي شكلت محور حركته على مدى عقدين منذ إنشائه وبوسعي التأكيد أن زمن العطية في الأمانة العامة لمجلس التعاون كان زاخرا بالتحولات النوعية فهو من أدخل المرأة في إدارات الأمانة العامة كما أنه انحاز إلى العاملين فيها على نحو رفع من أوضاعهم المادية والمعنوية وهو ما رصدته في غير زيارة لمقر الأمانة بالعاصمة السعودية - الرياض -بعيدا عن أجواء النفاق التي تسود في العادة العلاقة بين المسؤول ومرؤوسيه كما أدخل لأول مرة ملفات على جدول أعمال القمم من نوعية التعليم والإصلاح السياسي وقضايا المرأة والبيئة والاستفادة من الطاقة النووية السلمية وغيرها من ملفات ذات طابع إنساني السطر الأخير: تهدمت صوامعي سكنت ريح القصيدة أسرجت خيولي مهاجرا للشمال أبكتني الفصول التي سافرت عنها الشمس تدثرت بالصمت خانني للوهلة الأولى فجئت إليك عابرا جسور الهمس أوقفني حراس المسافات امتطيت صهوة الرجوع باركني الترقب أديت صلاة الغائب عدت من مقاربة حضوري في وجدي يسكن بهاؤك تتوهج حقولك التي غادرها العسس.