14 سبتمبر 2025
تسجيلستظل شخصية زعيم المؤتمر الوطني العراقي الراحل الدكتور أحمد الجلبي واحدة من أكثر الشخصيات في الشرق إثارة للجدل!، فبعد رحيله المفاجئ والسينمائي كتبت ملايين السطور المتشفية به والناقمة عليه، وأريق حبر كثير، وتكسرت على جنازته النصال على النصال!!، والواقع أن الرجل ظل لغزا عصيا على العديد من المتابعين، فهو لم يدخل علنا سوق عكاظ المعارضة العراقية إلا بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 وكان ظهوره في مؤتمر فيينا للمعارضة العراقية عام 1991 إيذانا ببروز قطب معارض جاء للمعارضة من خارج سياقاتها التقليدية المعروفة السابقة القومية أو الشيوعية أو الإسلامية الطائفية!، بل جاء من عالم المال والأعمال والمصارف والحسابات! واستطاع بصرف النظر عن تقويمنا الشخصي له أن ينقل المعارضة العراقية البائسة المحصورة بين محور دمشق وطهران لآفاق دولية لم تحلم بها في يوم ما!. كان المعارضون العراقيون ينشطون فقط في أروقة المخابرات السورية وفي دهاليز المجلس الإيراني الأعلى في طهران! ويحاورون أنفسهم وفي حالة انشغال تام بمعاركهم الدون كيشوتية وكتابة التقارير للمخابرات السورية والإيرانية!؟، فجاء أحمد الجلبي ليغير الدفة ويرسم مشروعا سياسيا مغايرا بالكامل لما كان سائدا من طروحات عبثية وفاشلة، فالشيوعيون العراقيون وهم يعيشون عصر انهيار الاتحاد السوفييتي والتجربة الاشتراكية بلغوا من الانهيار والتلاشي حدا جعلهم في حالة ضياع واضمحلال، أما المعارضة القومية بشقيها الناصري والبعثي فكانت مفلسة أيضا كخصمها الشيوعي!، والإسلاميون المرتبطون بالمشروع الإيراني كانوا يعيشون هرجلة الصراع الداخلي الإيراني المحتدم في ثمانينيات القرن الماضي ووصلوا للتسعينيات وهم في حالة انهيار تام بعد فشلهم في الرهان على الحرب العراقية/ الإيرانية التي توقفت عام 1988 لتجهض حلمهم بإقامة جمهورية الخميني الإسلامية في العراق!. هذه كانت الصورة العامة للأوضاع العراقية في تلك الحقبة، ولكن مع التداعيات الداخلية العراقية التي أعقبت حرب عاصفة الصحراء عام 1991، برزت عوامل ومستجدات جديدة صاغ جزءا فاعلا من مفرداتها الدكتور أحمد الجلبي ليشرف على تجميع بقايا المعارضين الفاشلين السابقين ويساهم في شحنهم زرافات ووحدانا وتسويقهم في البيت الأبيض الأمريكي مثل آل الحكيم وبعض المستقلين وعدد من الإسلاميين!، نشأ المؤتمر الوطني العراقي في مرحلة التسكع والفشل العقيم للمعارضة العراقية وتقوى عوده عبر المساعدات الأمريكية وحالة الحصار الدولي المطبق على العراق والذي استمر حتى احتلاله أمريكيا عام 2003، ليكون الجلبي في مقدمة من دخل مع القوات الأمريكية وليبدأ من قاعدة الناصرية الجوية جنوب العراق مرحلة جديدة هي إدارة العراق في ظل الاحتلال الأمريكي الذي رفع رايته وسعى إليه طيلة عقد ونيف من السنين، فلما تحقق الغزو وجاءت جيوش العم سام لتحط رحالها في أرض بابل! انقلب السحر على الساحر بطريقة درامية زاعقة، وتحول الجلبي من رجل للمصالح الأمريكية لواحد من المقربين للقيادة الإيرانية!! في لحظات تحولات غامضة وغير مفهومة ومحفوفة بالألغاز!مصير أحمد الجلبي في العراق لم يكن بحجم دوره في المعارضة العراقية التي جمع شتاتها وأحيى مواتها وأسهم في تسويق قياداتها الفاشلة!، فلم يسند له أي دور في قيادة الوضع العراقي الجديد الذي سعى له! وكان مجرد حالة هامشية نشط ضمن مشروع طائفي فاشل ونجح في استرداد أملاك عائلته في دولة عراقية حكمتها العصابات الطائفية وأوردتها مورد الهلاك والفشل الذريع وحيث يواجه العراق اليوم الإفلاس التام خلال السنوات القليلة القادمة!، ولكنه لم ينجح أبداً في فرض وتسويق النموذج الذي كان يبشر به!، وكانت آخر مهامه هي عضوية عادية في مجلس النواب وترأسه للجنة المالية مما أتاح له الاطلاع على ملفات فساد هائلة كان صامتا عنها وإن كان قد لمح لاحتمالات كشفها! إلا أنه لم يفعل وجاء رحيله المفاجئ في خريف العراق ليثير وينشر أكثر من علامة استفهام حول طبيعة الوفاة والتي أعتقد بأنها لم تكن طبيعية بالمرة؟ بل إنها تأتي ضمن سياق حروب التصفية السرية التي يشهدها العراق؟.